عندما نتحدّث عن الجمال، يتحوّل الحوار مباشرة إلى الجمال الداخليّ، باعتباره الأهمّ والذي يجب التركيز عليه. لكن ما هو بالتحديد الجمال الداخليّ؟ هل هو التصالح مع الذات وحبّها؟ كيف يتمّ ذلك؟ ما الذي قد يوصلنا إلى مرحلة من الوعي نقدّر فيها أنفسنا ونحبّها كما هي؟ للإجابة عن هذه الأسئلة والكثير غيرها، قابلنا معلمة اليوغا، المرشدة والمتحدثة حنان الشهري لتخبرننا عن رحلتها في اكتشاف الذات وتطويرها.
كيف بدأت رحلتكِ في سبيل تطوير الذات واكتشافها؟
بدأت مسيرتي في هذا الاتّجاه من حواليّ 11 سنة. كنت أملك حينها مهنة الأحلام، وكنت في غاية السعادة، بعد 5 سنوات أدركت أنّه ثمّة شيء ناقص، ولم أكن أدرك ما هو. لكن كما بالنسبة لأيّ شخص آخر، يطرأ ما يُحدث تغييراً في الحياة. حدث معي أمرٌ زعزع ثقتي بنفسي، وتسّبب لي بصدمة حقيقيّة وأشعرني بالفراغ. حينها بدأت أبحث عن الطرق التي تساعدني حتى أدعم ذاتي لأشعر بالتحسّن. كنت أرغب بالتعافي من هذا الألم الذي كنت أشعر به. وجدت مصادر رائعة وأشخاصاً يشكّلون مثالاً في التجارب الإنسانيّة، وحينها وجدت الطريق. تأكّدت أنّ الحياة ترسل لنا إشارات دوماً، منها ما قد يأتي بشكل صفعة، حتى نعي أنّنا لا نعيش في تناغم تامّ مع ذواتنا. بالنسبة لي، كان الإحساس بالانكسار هو ما دعاني لأعود إلى بناء ذاتي، بما يشبه حقيقتي الفعليّة.
كيف تغيّرت نظرتكِ إلى الحياة؟
أعي تماماً أنّ الحياة أشبه بسباق ماراثون نشارك فيه. حاليّاً، أسمح لنفسي بأن أستمتع فعلاً بما حقّقته وأستمتع باللّحظة التي أعيشها من دون التفكير باستمرار بالمستقبل. ما لاحظته، أنّي بذلك أعيش الحياة كتجربة شاملة، وفي إطار أوسع. هذا، وأنا أعلم تماماً أنّ الحياة ليست كلّها سعادة، إذْ لها جوانب مظلمة وأخرى مشرقة، وأدرك أنّ الظلمة تشكل جزءاً لا يتجزّأ من الحياة.
ما سرّكِ لتحقيق التوازن في الحياة؟
أنا أؤمن بأنّه ليس هناك من قاعدة تناسب الكلّ. فليس ضروريّاً أن يتبع الجميع القاعدة التي تناسبني والتي أعتمدها. بالنسبة لي، ما ساعدني فعلاً على تحقيق التوازن في حياتي هو أداة مثلى وجدتها، وهي الانطلاق، مبدأ التصميم الفرديّ للإنسان. فلتحقيق التوازن، على الفرد أن يتجنّب تقليد الآخر وأن يسعى إلى اكتشاف ما يدخل البهجة إلى حياته. هذا ولا بدّ من وضع مساحات معيّنة لكلّ ما يقوم به، سواء على صعيد الأفكار أو العلاقات مع الآخرين، إضافة إلى ضرورة عدم إرهاق الذات بمهامّ لا تعدّ ولا تُحصى لإنجازها خلال النهار.
كيف تصفين مفهوم "حبّ الذات"؟
حبّ الذات بالنسبة لي، هو تقدير الذات، عدم خيانتها واختيارها أوّلاً. أتمسّك بذاتي وأفسح لها المجال للتواصل مع حكمتي الداخليّة. فبقدر ما نغوص في هذه الحكمة، تلقائيّاً يظهر حبّ الذات وتظهر معه حقيقتنا الكاملة. هنا يكمن تقدير الذات. وأودّ أن أذكّر، حتى أحبّ الآخر، يجب أن أحبّ نفسي أوّلاً، فالمسألة تبدأ دوماً من الذات.
ما القاعدة الأساسيّة التي تعتمدينها للحدّ من التوتّر؟
التوتّر شيء نواجهه كلّنا. يبقى الأهمّ هنا، هو تقويم الظرف المسبّب للتوتّر وكيفيّة التعاطي معه، دون الغرق في حالة التوتّر، كما أنّ التنفّس بالشكل الصحيح وبعمق يساعد على الحدّ من التوتّر. أيضاً، أذكّر نفسي دائماً بأنّه لا يمكن التحكّم بكافّة الظروف، إنّما ثمة اختيارات أخرى متوافرة دائماً للتعامل معها بشكل يجنّبني التوتّر. فالسرّ هنا، في طريقة الاستجابة والتعامل مع الظرف.
بعد التعرّض لصدمة، ما أفضل الطرق للتعافي؟
بالدرجة الأولى، يجب استيعاب الصدمة والاعتراف بها، فالنكران لا يفيد هنا، إذْ سرعان ما ندرك لاحقاً أنّه ثمة رواسب تتكدّس وتؤثّر بنا خلال الحياة. وفي سبيل تحقيق التعافي، يجب أن ندرك أنّه لا بدّ لهذه المرحلة أن تنتهي، لأنّ لا شيء يدوم إلى ما لا نهاية. قد يكون من الممكن اللّجوء إلى اختصاصيّ للمساعدة والحرص على القيام بتمارين التنفّس وغيرها من الوسائل التي تحدّ من وقع الصدمة. لكلّ صدمة وسيلة تسمح بالخروج منها بعد تقبّلها، في سبيل التحرّر منها.
ما الخطوات الأساسيّة المطلوبة للتواصل مع الذات؟
الأدوات الأكثر فاعليّة، المصالحة مع الذات وتحديد كافّة الأحاسيس للتعامل معها بالطريقة الصحيحة. فالتواصل مع الذات ضروريّ قبل التواصل مع الآخرين. شخصيّاً، أبدأ ببعض تمارين التنفّس، ثمّ أطرح على نفسي بعض الأسئلة للتأكّد ما إذا كنت بخير أو إذا كنت أشعر بالانزعاج أو التوتّر أو بأحاسيس أخرى لتقديم الدعم لنفسي، كما أحدّد الأهداف التي أنوي تحقيقها خلال النهار. من جهة أخرى، أعتقد أنّه للتواصل مع الذات، لا بدّ من الاتّحاد مع الجسم، فبقدر ما ننفصل عنه، ننفصل عن الواقع وعن الذات.
