تنطلق السهام دائماً بالحركة ذاتها، متّبعةً القوس نفسه، لا تخطئها العين، وتعبر العصور من دون أن تفقد زخمها. بهذا المعنى الرمزي العميق، تبنّت دار بوشرون هذا الرمز العتيق منذ ستينيات القرن التاسع عشر، بوصفه صورة تختزل الحب والحرب معاً، وتجسّد القوة كما الرهافة. وفي عام 2025، تستعيد المديرة الإبداعية للدار، كلير شوان، هذا التراث لتكتب فصلاً جديداً في مسيرة بوشرون، عبر ثمانية تصاميم أصلية محايدة، لا تنتمي إلى جنسٍ دون آخر، يجتمع فيها الصفاء الماسي بالقوّة الهادئة، في مجموعة Flèche الجديدة.
هي مجموعة تحتفي بمن يسير في الحياة بشجاعة ومن دون مساومة على فرادته، إذ تُمثّل السهام فيها طاقة دفّاعة، لا تعرف التردّد. ففي عالم بوشرون، الماضي يثري الحاضر، وكلّ قطعةٍ من هذه المجموعة تحمل وعداً بمستقبلٍ يُصاغ على صورة المسار الشخصي الفريد لمن يختارها.
السهم في أرشيف بوشرون
يشكّل السهم أحد الرموز الأقدم والأكثر رسوخاً في أرشيف بوشرون، إذ ظهر منذ ستينيات القرن التاسع عشر في أوائل تصاميم الدار، وكان ولا يزال يحمل دلالات متعدّدة: فمن جهةٍ، هو مرسال للحب، يخترق القلوب في مجوهرات رقيقة، ومن جهةٍ أخرى، رمزٌ للمحارب، يتجلّى في جعبة صيدٍ مصغّرة، أو في رأسٍ مدبّبٍ بدقّة وريشٍ مشغولٍ بعناية.
شهدت صورة السهم تنويعاتٍ جمالية على مرّ العقود؛ فحيناً جاء ريشه على هيئة ريش الطاووس، وهو من الرموز المفضّلة لدى بوشرون، وحيناً آخر بدا وكأنّه علق بين أغصان الطبيعة. كما عكست بعض التصاميم مؤثرات من تيارات فنية متنوّعة، مثل النزعة الاستشراقية الحديثة التي اقترنت بسّهامٍ تحمل نقوشاً مصرية. وفي عشرينيات القرن الماضي، أصبح السهم أكثر تجريداً، متماهياً مع رموز فنّ الآرت ديكو، ومعتمداً خاماته المميزة، مثل اليَشْب (الجاد).
عبر تغيّر الأساليب والمدارس، ظلّ هناك عنصر ثابت: البراعة التقنية لخبراء بوشرون، الذين يمتلكون حرفيّة فائقة تتيح لهم ترجمة النقاء الهندسي والدقّة المتناهية في خطوط السهم. من الرسم الأولي إلى القطعة النهائية، يجمع الحرفيون بين الابتكار والمعرفة الدقيقة بفنون المجوهرات الراقية، ليواصلوا إعادة ابتكار هذا الرمز الخالد، مرّة بعد أخرى.
مبتكرات جديدة
استلهمت كلير شوان من التوتّر الكامن في السهم، ذاك التوازن النادر بين القوّة والدقّة، دافعاً لتكريم هذا الرمز العريق عبر إعادة صياغته بأسلوب جديد لا يُفرّط بجوهره. حيث سعت إلى الحفاظ على حداثة خطوطه ونقاوتها، مع ابتكار طرق معاصرة لارتدائه. فالسهم، وإن ظلّ وفياً لهدفه، بات يراعي الجسد ويلتفّ حول الإصبع أو المعصم، وينساب بسلاسة حول العنق، أو يُثبّت كبروش فوق القلب. وتتألّف هذه المجموعة من ثماني قطع من الماس، أحادية اللون، تليق بالجنسين، وتعبّر جميعها عن رؤية تصميمية عصرية بامتياز.
وفي استعادة لروح أرشيف الدار، تبدأ المجموعة بقطعتين تجسّدان السهم بصيغته النقيّة: مشبكان، أحدهما بالغ الرقّة، والثاني بحجم XXL يجمع بين الماسات المستديرة وماسات من قطع الباغيت. يليهما خاتمان: الأوّل يلتفّ حول إصبع واحد، مرصّع بالكامل بالماس المستدير، أما الثاني فيأخذ طابعاً نحتياً يمتدّ على ثلاثة أصابع، في توليفة تجمع بين خفّة الريش المتشكّل من ماس مستدير، وصلابة الخطّ المرسوم بأحجار باغيت مستطيلة. وتضمّ المجموعة أيضاً عقداً وسواراً فائقَي الليونة، يمكن ارتداؤهما من دون مشبك، بالإضافة إلى قلادة وزوج من الأقراط الدائرية، مرصّعة جميعها بماسات مستديرة.
إتقان الصُنع
تتجلّى براعة صاغة دار بوشرون في هذه المجموعة بأبهى صورها من خلال التعامل الرقيق مع المعدن، والدقّة المتناهية في ترصيع الماسات، والانضباط الهندسي في رسم كلّ خط. فكلّ قطعة صيغت بأسلوب يكاد يلامس النحت، بهدف تجسيد حركة السهم وتكثيف طاقته الحيوية، فتحوّلت الخطوط البسيطة إلى بيان تصميمي معاصر، يحمل توقيع الدار وروحها المتجدّدة.
الحملة
احتفالاً بإطلاق هذه الابتكارات الجديدة، تكشف دار بوشرون عن حملة تعبّر عن الطاقة الكامنة في رمزية السهم، وتحتفي بصفات الثقة والصلابة في السلوك. في حركات مستوحاة من عالم الرماية، تجسّد امرأة ورجل هذه الإبداعات بأسلوب شخصي وحميم. ورغم غياب القوس، فإن عزيمتهما حاضرة في كلّ حركة، إذ لا يستهدفان جسماً مادياً بل غاية ذهنية، من خلال تصاميم تتجلّى بالفعل والتعبير.
