"كسائر الأولاد، كنتُ أتأمّل أحياناً امرأةً أنيقة، ولكن من دون الاهتمام بتفاصيل فستانها أو قبّعتها، بل برائحة عطرها التي تنطبع في ذاكرتي حتى بعد رحيلها"، قالها Christian Dior بعد أن بدأت تتّسع شهرته كمصمّم أزياء. على عكس ما يعتقد كثيرون، كان العطر أكثر ما يلفت المصمّم الفرنسيّ في المرأة، قبل ملابسها. شغفٌ يفسّر النجاح الكبير الذي لاقته عطور DIOR الأيقونيّة على مرّ العقود...
يكفي أن تفتحي غطاء عطور Christian Dior لتتعرّفي على فساتينه، فنفحات كلّ منها تخبر عن حديقة لطالما عشقها وجسّد عناصرها في أزيائه وقواريره. ولعلّ الدار الفرنسيّة هي أكثر مَن يستحقّ تمجيد الطبيعة وجمالها من خلال تصاميم وابتكارات، حفرت جذورها في صغر المصمّم الفرنسيّ. فعلى شرفة منزله في Granville، قضى Christian Dior ساعات طفولته متأمّلاً البحر، الواجهات التي تزيّنها التحف الفخاريّة ومراوح الريش، وكان يولي اهتماماً كبيراً بالورود والنباتات التي زرعتها والدته. إلهامه هذا رافق الدار حتى بعد غيابه عن الدنيا وباتت حدائق Dior رمز الكمال والجمال. مسيرة Dior بالفعل معطّرة برائحة الحياة والطبيعة...
تكريماً لعطورها وللمبدع الفرنسيّ Christian Dior، أصدرت الدار للمرّة الأولى كتاباً بعنوان Dior Les Parfums، بقلم Chandler Burr الكاتب وخبير العطور. 18 فصل مليء بالقصص التي تناولت وصف كلّ عطرٍ بتفاصيله، من عطر Miss Dior الأوّل، مروراً بعطور Diorling، Poison، Eau Sauvage وغيرها، وصولاً إلى آخر إصدارات الدار La Collection Privée. الكتاب يركّز أيضاً على رموز الدار، صداقات Christian Dior وحبّه للفنّ، الطبيعة والأزهار. حوّل Chandler Burr كلّ عطرٍ إلى نجمٍ يعكس ميزات عصره وإلى حجر دعمٍ أساسيّ في عمليّة بناء أسطورة Dior.
العطور التي أطلقها Christian Dior قبل مغادرته الحياة في العام 1957:
1947: Miss Dior، أّوّل عطر يحاكي خطّ New Look في الأزياء الذي ابتكره ليطلق امرأةً متحرّرة وعصريّة.
1949: Diorama، صنعه Edmond Roudnitska ليجسّد بداية انتشار الفنّ التجريديّ بدلاً من الفنّ الواقعيّ.
1955: Eau Fraîche، عطرٌ رومنسيّ يترجم شعور الانتعاش عندما يمتزج الماء بالهواء، وكأنّكِ خرجت للتوّ من حوض السباحة!
1956: Diorissimo، بطلته زنبقة الوادي. حملت اسم هذا العطر مجموعة حقائب الدار في العام 2012 و2013.
مبدعٌ فرنسيّ، نسج عطوراً أيقونيّة لدورٍ عالميّة كان أبرزها Dior J’Adore، التقته "جمالكِ" في أبو ظبي وكان هذا الحوار عن مسيرته، حياته وإلهامه...
كيف يمكن أن تشعر المرأة أنّ عطر Dior هو عطرها الخاصّ مهما كان عمرها، أسلوبها ولون بشرتها؟
أصنع عطري تبعاً لإلهامٍ معيّن، أحياناً يكون صورة امرأة، لكنّني لا أفكّر في فرضه على أيّ نوعٍ من النساء. أفضّل أن أقترح على المرأة وهي في النهاية صاحبة القرار.
لأيّ امرأةٍ صنعتَ J’Adore L’Or؟ هل يمكنكَ ذكر الصفات المشتركة بين هذا العطر وامرأته؟
صنعته لامرأةٍ لا تحتاج للقيام بالكثير من المجهود لتفرض نفسها، فوجودها قويّ بشكلٍ طبيعيّ، وهي مرتاحة مع نفسها، تخطّت كلّ مشاكل الماضي. هو عطرٌ يلخّص كلّ مهارات دار Dior إنْ في القارورة الكريستاليّة، أو في العنق المصنوع من الذهب والغطاء الذي يشبه جوهرة. يجمع بين هذا العطر والمرأة التي تعتمده حبّ التميّز، عشق الفخامة والحسيّة العالية، وهو من دون شكّ يعكس امرأةً ناضجة سبق وحقّقت نفسها.
ما هو سرّ النجاح الكبير الذي لاقاه عطر J’Adore على مرّ السنين؟
أعتقد أنّه عطرٌ يجمع صفتين من الصعب جمعهما، هما بساطة التركيبة الزهريّة أوّلاً، إذْ يمكنكِ أن تحبّي أو لا تحبّي J’Adore لكن لا يمكنكِ ألّا تعترفي أنّ رائحته جميلة، وثانياً شخصيّته وتوقيعه القويّان، إذْ لا يمكن تشبيهه بعطرٍ آخر أو عدم التعرّف عليه.
أيّهما أعظم، عشق المرأة للمجوهرات أم علاقتها مع العطر؟
لا يمكن الجزم في هذا الأمر، لكنّي أعتقد أنّها إذا كانت تحبّ الحياة، فهذا يعني أنّها تحبّ كلّ ما يربطها بها من متع، كمتعة تأمّل الطبيعة ومغيب الشمس، اللّوحات الفنيّة، متعة الاستماع إلى الموسيقى وطبعاً امتلاك المجوهرات... وإذا كانت تتمتّع بعلاقةٍ خاصّة مع العطور، فهذا يعني أنّها تعشق كلّ ما يحرّك حواسها وكلّ ما يجذب الآخرين نحوها.
مَن هي ملهمتكَ؟
تختلف باختلاف العطر، لكن إنْ كان عليّ الاختيار، سأقول زوجتي.
لطالما آمن Christian Dior أنّ المرأة والوردة كائنان متشابهان، وقد توصّل في النهاية إلى تصميم فستانٍ أسماه المرأة- الوردة... هل ترى تشابهاً بين المرأة والمكوّنات المختلفة بين يديكَ؟
بالنسبة لي صناعة العطور هي القدرة على تحقيق التوازن بين العلم والكيمياء من جهة، وخلق الجانب الرومنسيّ والملهم من جهةٍ أخرى. أنظر للمكوّنات الأوليّة بطريقةٍ تحليليّة قبل كلّ شيء، أيْ أختبر جودتها ورائحتها، ثمّ أبدأ بتطبيق الفكرة التي وضعتها لتركيبة العطر. الأمر يشبه هندسة منزل وبناءه. صناعة العطر عمليّة تتطلّب التفكير، وليس فقط الإلهام.
هل يمكنكَ تشبيه Charlize Theron، الوجه الإعلانيّ لعطر J’Adore، بإحدى تلك المكوّنات؟
قد أشبّهها بأزهار ياسمين Sambac التي تكون براعمَ مقفلة لدى قطفها وعندما تتفتّح بعد ساعات، تبعث برائحةٍ ساحرة تخدّر الحواس. Charlize هكذا، هي جميلة وصاحبة كاريزما من دون أن تصرّح بذلك.
ما المكوّن الذي يشبه زوجتكَ؟
سأقول النفحات الخشبيّة الممزوجة بالأزهار. قد أختار لها خليطاً من الوردة وخشب الأرز، مع لمسةٍ خفيفة من البهار، فهي امرأةٌ قويّة الشخصيّة كالأرز، ولكن لطيفة تماماً كرائحة الورود.
بين كلّ العطور التي صنعتها، ما هو عطركَ المفضّل؟
من الصعب الاختيار، ولكن إنْ كان عليّ تسمية عطر سأختار Diva من Emanuel Ungaro لأنّه العطر الأوّل الذي صنعته، وغالباً ما يميل المرء إلى تجميل ذكريات الحبّ الأوّل.
وبين العطور التي صنعتها لدار Dior؟
عطري المفضّل هو Escale à Portofino.
مَن هو الشخص الأوّل الذي يشمّ تركيبتكَ الجديدة؟
زوجتي، فهي توجّه إليّ النقد، وآراؤها تنمّ عن معرفةٍ في عالم العطور.
هل تخلق التركيبة أوّلاً ثمّ تأتي بعدها هويّة العطر واسمه، أمْ أنّكَ تتلقّى من Dior تصوّراً لعطرٍ ما، فتحاول تركيبه؟
أحاول تركيب العطر الذي يرى القيّمون على الدار أنّه يجب إضافته إلى مجموعة عطور Dior. آخذ بعين الاعتبار مقاربة الدار ورؤيتها، وأترجم ذلك بكلماتي، ذوقي وتوقيعي. هي عمليّة تشارك وتبادل توصلنا إلى الحصول على عطرٍ يشبه الدار وتتمتّع به كلّ نساء العالم.
لمَ نغمض أعيننا عندما نشتمّ عطراً ما، ولا نقوم بذلك عندما نستمع للموسيقى؟
شخصيّاً، لا أغمض عينيّ لكنّي أنظر إلى البعيد جدّاً كما لو أنّني لا أرى شيئاً. البعض يقفلون أعينهم، والبعض يقومون بحركاتٍ غريبة، فالعطر شيءٌ لا يمكن وصفه بالكلمات أو تذوّقه. هو عملٌ تجريديّ، لذا يقفل الناس أعينهم، لكي يستطيعوا التركيز واستيعاب مئات الأفكار والذكريات التي تأتي إليهم من الوعي واللّاوعي لدى اشتمام عطرٍ ما.