... وهل تنتهي أسطورة الموضة؟!
حتماً لا، فالعمالقة لا تزول ولا تختفي ولا تضمحل؛ والأيقونات تبقى عابرة لكل زمان ومكان، والقمم تبقى شامخة في وجه كل المهبّات والعواصف. هو Karl Lagerfeld أسطورة اقتادتنا أسرى سعداء إلى منصّات عروض الأزياء نحن المحرّرات ونحن الشابات ونحن الأمّهات ونحن مواكبات الموضة. هو أيقونة؟! نعم... وشخصيّة كارزماتيكيّة؟! كيف لا.. ومبدع ومبتكر؟! وأكثر من ذلك... يعتبر أنّ الموضة هي كناية عن التغيير وهو بنفسه يعشق التغيير، فاختار في 19 فبراير 2019 أن يضعنا أمام الأمر الواقع، فيفارق الحياة عن عمر الـ85 واعداً إيّانا بتغيير جذريّ وحقبة جديدة من التصميم والتنفيذ في كل من دار Chanel وFendi وKarl Lagerfeld.
هو Maestro! هكذا لقّبته زميلتي في العمل، فأيّدتها واخترتُ أن أطبع كلمتها في هذا المقال. هو فنّان ومصوّر ومدير إبداعيّ وحالم، نجح مراراً وتكراراً، موسم تلوى الآخر، في سرقة أنفاسنا ودغدغة أحاسيسنا. بحّار حطّ رحال سفينته La Pausa في وسط القصر الكبير في باريس، فانتقل المحيط إلى اليابسة في مجموعة Chanel التحضيريّة لربيع 2019. نحّات ومعمار حوّل الـGrand Palais إلى موقع أثريّ يونانيّ لعرض مجموعة Chanel التحضيريّة لربيع 2018. Che Guevara الموضة حين سافر بنا إلى كوبا لعرض مجموعة Chanel التحضيريّة لربيع 2017.
في كل موسم، كان كارل لاغرفلد يكشف لنا عن وجه جديد من شخصيّته وعن شغف كبير في الموضة، وعن روائيّ يأخذنا بين طيّات إطلالاته في قصص من نسج الواقع.
Karl Lagerfeld، الألمانيّ الأصل، قصّة نجاح يصعب اختتامها. هو المدير الإبداعيّ لشانيل من العام 1983، أعاد إحياء وابتكار رموز الدار الفرنسيّة بطريقته الخاصّة مثل الفستان الأسود وبزّة التويد، حقائب اليد المبطّنة (Quilted) وأكسسوارات اللؤلؤ. مواهبه المتعدّدة جعلته ركيزة دعم للدار، فاستفادت Chanel من حبّه للتصوير الفوتوغرافي وتنفيذ الأفلام القصيرة لابتكار الحملات الإعلانيّة منذ 1987.
المدير التنفيذيّ لدار شانيل، Alain Wertheimer، أثنى على عبقريّة Karl Lagerfeld الإبداعيّة: "لم نفقد مجرّد صديق وإنّما فقدنا العقل الإبداعي الإستثنائي للدار الذي كنت قد فوّضته منذ أوائل الثمانينيّات في حرّية الإبتكار وإعادة خلق شانيل على طريقته الخاصّة." الخسارة واحدة والآراء متشابهة، فعبّر Pier Paolo Righi المدير التنفيذيّ لماركة Karl Lagerfeld التي تأسّست في العام 1984 عن افتقاده للمصمّم الراحل: "لقد خسر العالم أيقونة. كان عبقريًا مبدعًا، مؤثّراً، فضوليّاً، قويّاً وإنساناً عاطفي. ترك خلفه إرث غير إعتيادي باعتباره واحداً من أعظم المصممين في عصرنا. أشعر بأنني محظوظ جداً لأنني تمكّنتُ من أن أعمل معه، ولا توجد كلمات للتعبير عن مقدار فقداني له."
من Chanel إلى Fendi، هو Karl Lagerfeld مَن ضخّ الطموح في قلوبنا وجعلنا نوسّع آفاق تفكيرنا. لقد ولّد في داخلنا حبٌّ جامح لتصاميم فندي، فسافر بنا في رحلة إبداعيّة مفعمة بالحيويّة والعصريّة على مرّ 50 سنة، فكان المدير الإبداعيّ لقسم الفرو في هذه الدار الإيطاليّة منذ العام 1965 والمدير الإبداعيّ لقسم الملابس النسائيّة منذ إطلاقها في العام 1977.
رحلتا إبداع مختلفتان يصعب اختصارهما في أسطر قليلة، ولا يقف وراءهما سوى بطلٌ واحد، هويّته شغفٌ وابتكار، وبصمته خالدة تتوارثها الأجيال لتؤكّد أنّه مثال الفنّان والعامل المثابر. نعم، بطل، عملاق، أسطورة، أيقونة ومايسترو!