الموضة بلا حدود! لمحة عن علاقتها المميزة بالمجالات الأخرى

الموضة عالم واسع يتخطّى فكرة تصميم الأزياء فحسب، ليضمّ عوالم أخرى من الفنّ، الهندسة والتكنولوجيا، إلى العلوم، السياسة، البيئة وغيرها... عوالم تكمّل بعضها البعض وتتداخل فيما بينها لخلق تصاميم توجّه رسائل توعويّة وابتكارات جديدة. لتتعرّفي على كيفيّة تداخل مختلف العوالم مع الموضة، غوصي في هذا التقرير!

لم تعد الحواجز بين الثقاقات صارمة كالماضي، خاصّة في عالم الموضة، إذْ باتت هذه الأخيرة مزيجاً بين هويّات وثقافات أخرى نتفاعل معها. عندما يتعلّق الأمر بمصمّمي الأزياء، نرى أنّ لكلّ واحد طريقته الخاصّة في دمج الثقافات، إمّا من خلال الأقمشة، الألوان، التطريز، القصّات أو الأكسسوارات، أو حتى منصّات العروض التي تأخذنا في رحلات حسيّة حول العالم. ينسب المصمّم Oscar de la Renta استخدامه للألوان الزاهية في مختلف مجموعاته إلى بلده الأصليّ، جمهوريّة الدومينيكان. دار Dior لطالما استلهمت من ثقافات أخرى، مثل اليابان، المغرب، مصر وغيرها، دار Saint Laurent من روسيا، دار Valentino من أفريقيا ...وعندما نتكلّم عن تلاقي الثقافات، لا يمكننا أن نغضّ النظر عن العناصر العربيّة التي تحوّلت إلى صيحات عالميّة، يعرضها المصمّمون على المنصّات في كلّ المواسم، مثل العين التي تقيكِ من الشرّ، اليد السحريّة، الكتابة العربيّة، التطريز والكوفية العربيّة...ولم يعد القفطان أو التربان حكراً على النساء العربيّات، بل أصبحت النساء أجمع يعتمدن هذه التصاميم.

من خلال حضارة البلد، الأزياء، الموسيقى، الهندسة، الحرف اليدويّة وحتى الطبيعة.

ملاحظة: دمج الثقافات فيما بينها يعتبر مسؤوليّة، فعلى المصمّم أن يدرسها بكلّ تفاصيلها، ليدرك كيفيّة إيصال الرسالة من خلال تصاميمه، دون المس بقيم أيّ منها.

إذا كانت العلاقة بين الموضة والثقافة تكامليّة، فإنّ الثقافات الفرعيّة تلعب دوراً كبيراً أيضاً بتأثيرها على الموضة. هذه الثقافات، هي مجموعات منظمة من قبل عدد من الأشخاص الذين يتشاركون سمات معيّنة ويعتمدون خطوطاً محدّدة في الأزياء والأكسسوارات تجعلهم مميّزين بدرجة كافية، ليتمّ التعريف عنهم على أنّهم مجموعة فرعيّة من الثقافة الأوسع، تهدف إلى التفرّد.

من الثقافات الفرعيّة الأيقونيّة التي ما زال المصمّمون يستلهمون منها مجموعاتهم، نذكر الـHippies من الستينيّات والتي تتميّز ملابسهم بالقصّات الواسعة، الملابس المصبوغة وطبعة الأزهار. كذلك، حركة الـPunk من أكثر الثقافات الفرعيّة التي تؤثّر في الموضة، ونرى ذلك من خلال السترات الجلديّة، القماش الممزّق، الجوارب الشبكيّة، الكحل الأسود وغيرها...

أنظري من حولكِ اليوم، فكلّ ما نرتديه ونعتمده مرتبط بالتكنولوجيا، بدءاً من أبسط الأمور، مثل Apple Smart Watch، منصّات التسوق لدى Amazon والسترة الذكيّة التي ابتكرتها شركة Google بالتعاون مع Levi’s ، إلى التصاميم الأكثر تطوّراً والموجودة في العالم الافتراضيّ Metaverse.

الروبوهات موجودة منذ زمن في صناعة الموضة، ولا يمكننا أن ننسى العرض الأيقونيّ الذي قدّمه المصمّم Alexander McQueen عندما قامت الروبوتات بطلاء فستان على منصّة العرض في العام 1999، ليصبح بعد ذلك هذا الأمر أكثر شيوعاً، حتى أنّ هذه الأخيرة أصبحت تمشي جنباً إلى جنب مع عارضات الأزياء على منصّات العروض.

عندما يتعلّق الأمر بالملابس التي يتغيّر شكلها، لا يمكننا ألّا نذكر Hussein Chalayan والفستان الذي تفككّ وتحوّل إلى قطعة أخرى من خلال Microships. كذلك، قدّم المصمم فساتين، تتضمّن مصابيح LED، كما قام بابتكار طاولة تتحوّل إلى تنّورة.

لا مجال لتفريق هذين العالمين عن بعضهما. فأكثر القطع اعتماداً هي الساعة الذكيّة والأجهزة التي تراقب اللّياقة البدنيّة!

لطالما أحدثت الطباعة الثلاثيّة الأبعاد ثورة في صناعة الأزياء، فسمحت للمصمّمين بتجاوز الأقمشة التقليديّة وابتكار أخرى لا مثيل لها، إنْ من ناحية الشكل أو اللّون. في عام 2011، كانت المصمّمة Iris Van Herpen رائدة في استخدام تقنيّات الطباعة الثلاثيّة الأبعاد في الموضة التي توحّد التكنولوجيا مع الحرفيّة التقليديّة.

هذا العالم الافتراضيّ، لفت انتباه العديد من العلامات التجاريّة التي بنت علامتها في عالم Metaverse الذي سيوفر خدمات ماليّة آمنة، سريعة وذات كلفة منخفضة للمستهلكين من خلال تقنيّة Blockchain، العملات المشفّرة وNFT. هذه الأخيرة توفّر تصاميم حصريّة لشخصيّاتنا الافتراضيّة، نظراً لأنّ عالم Metaverse يعتبر امتداداً لواقعنا، فإنّ وجودنا فيه يُنظر إليه أيضاً على أنّه امتداد لشخصيّتنا في العالم الحقيقيّ. في هذا الإطار، تحرص دور الأزياء على مواكبة هذا التطوّر من خلال دخولها العالم الافتراضيّ وتقديم تصاميم حصريّة، فتح متاجر أو حتى بناء عالم خاصّ بها. كذلك، تمّ إطلاق أسبوع الموضة في Metaverse، حيث قدّمت العلامات مجموعاتها من خلال Avatars. لم يجذب العالم الافتراضيّ دور الأزياء فحسب، حتى عالم الساعات الفاخرة اندمج أيضاً في هذا العالم الجديد.

لطالما كانت الموضة والهندسة المعماريّة مرتبطة ببعضها البعض، إذْ إنّها تأتي من نفس الجذور: الفن! الموضة فنّ يمكن ارتداؤه، بينما الهندسة المعماريّة هي فنّ صالح للسكن. عند النظر إلى كلّ فنّ على حدة، نراه مختلفاً، لكن عندما يندمجان، النتيجة تكون مثاليّة. يتبع المهندسون ومصمّمو الأزياء مبادئ عمل مماثلة، من حيث التوازن، الهيكل والتصميم.

من خلال التركيز بشكل خاصّ على الهيكل والشكل. غالباً ما يتمّ التلاعب بالأقمشة من خلال الطيّ، اللفّ والطبقات، لخلق أسلوب ثلاثيّ الأبعاد.

من ناحية الإبداع المشترك بينهما إلى التأثّر بالاتّجاهات نفسها، يتشابك كلّ من عالم الموضة وعالم الهندسة الداخليّة بطرق مختلفة. لقد ألهم تقاطع هذين العالمين مجموعة كاملة من التعاون التي تحثّنا على تجربة نمط حياة حديث. إذا كنتِ تهتمّين بالطريقة التي تبدين بها، فأنتِ حتماً تهتمّين بالطريقة التي تعيشين بها. بالنسبة للمصمّمين، يقدّم هذا التحالف فيضاً من الفرص الجديدة لاستخدام مواهبهم بطريقة جديدة. أمّا بالنسبة لأشخاص مثلنا، فهذه طريقة للتعبير عن الذات.

يقود العلم الموضة من حيث تطوير موادّ جديدة، تركيبات ألوان جديدة أو حتى طرق جديدة لتصميم وتصنيع الملابس والعطور. مثلاً، تعاونت شركة Dainese الإيطاليّة للدرّاجات الناريّة مع وكالة الفضاء الأوروبيّة ESA لإنشاء ملابس تدعم صحّة العمود الفقريّ لروّاد الفضاء الذين يعيشون في انعدام الجاذبيّة، كما ساهمت وكالة الفضاء الأوروبيّة في تصميم بدلة لأطقم سباقات الفورمولا 1.

أبرز الأقمشة والموادّ التي قام عالم الموضة بابتكارها لنسخ أنماط من الطبيعة، أي ما يعرف بالـBiomimicry:

• أقمشة ملوّنة خالية من الصبغات، مستوحاة من فراشات المورفو.
• أقمشة مضادّة للمياه، مستوحاة من فرو الحيوانات.
• بدلات السباحة، مستوحاة من جلد القرش.
• ملابس تمويه ذاتيّة، مستوحاة من الحبّار.
• أقمشة تنظف نفسها، مستوحاة من ورقة زهر النيلوفر.
• سترات مضادّة للرصاص، مستوحاة من حرير العنكبوت.
• أقمشة تصلح نفسها، مستوحاة من السلطعون.
• مادّة الفيلكرو المستوحاة من النباتات الشائكة.

من تعاون Salvatore Dalí مع دار Schiaparelli، وصولاً إلى تعاون Andy Warhol مع دار Versace، تقاطعت أذهان أعظم الفنّانين مع أكبر دور الأزياء، لتحفر اسمها وتصاميمها في التاريخ. للفنّ والموضة الكثير من القواسم المشتركة، فالفنون هي رسوم على لوحة قماش، تجمع خطوطاً وألواناً، تمثّل بشكل تجريديّ أو واقعيّ، عاطفة أو مشاعر، تهدف إلى خلق انعكاس للمشاهد. كذلك الحال بالنسبة لعالم تصميم الأزياء الذي يمثّل الأمر عينه، لكن على أقمشة يمكن ارتداؤها. حين وجد المصمّمون مصادر إلهامهم من فنّانين، رسّامين ونحّاتين، أصبحت عروض الأزياء أشبه بمعارض فنيّة. يواصل الفنّانون والمصمّمون استلهام أفكارهم من بعضهم البعض، ومن شتّى أنواع الفنون، لتوسيع أفاقهم. حين يلتقي فنّانان من هذين العالمين، يؤدّي الأمر إلى ولادة إبداعات لا تصدّق.

للموسيقى حصّة كبيرة في عالم الموضة، فهما عالمان يكمّلان بعضهما البعض! كيف؟ هناك طرق لا متناهية شهدنا عليها منذ عشرات السنوات، أكان من خلال الحفلات والأحداث الموسيقيّة الضخمة، مثل Coachella، الموسيقى المصوّرة، الإصدارات الحصريّة، وغيرها الكثير.

• يمكن الترويج لعلامة تجاريّة، من خلال ربطها بنوع موسيقى معيّنة، ممّا يمنحها هويّة.
• يمكن للموسيقى أن تساعد العلامة التجاريّة على التواصل عاطفيّاً مع المستهلكين، وخلق شعور بالولاء وترقّب الإصدارات الجديدة.
• بعض العلامات قامت بخلق قائمة على مواقع خاصّة بالموسيقى، مثل Superdry على منصّة Sound Cloud وVictoria’s Secret على Spotify.
• تقدّم بعض المنصّات مثل Spotify، قوائم مستهدفة للعلامات، من خلال اختيار تنسيق الإعلانات الخاصّة بها، ممّا يجعلها تحافظ على وجودها المتنوّع عبر الإنترنت وتتفاعل مع المستهلكين.
• تقوم بعض عروض الأزياء، مثل Louis Vuitton بدعوة فنّانين وDJ إلى منصّات العروض.
• يعتمد الفنّانون تصاميم لعلامات كبرى في أغانيهم المصوّرة، وهي طريقة لمزج العالمين مع بعضهما البعض.
• تقوم بعض الدور بالتعاون مع منتجين موسيقيّين لإطلاق موسيقاهم الخاصة خلال عروض الأزياء، كما فعلت دار Saint Laurent
• تقوم بعض الدور بإصدار تصاميم ومجموعات مستوحاة من موسيقى أو من فنّانين أو حتى تكريم البعض، كدار Tommy Hilfiger.
• بعض الأحداث الموسيقيّة، مثل Coachella وBurning Man وAfropunk،... ذات صلة مباشرة بعالم الموضة، بحيث أصبحت تتميّز بهويّة محدّدة في الأزياء المعتمدة خلالها.

كما بات معروفاً، فإنّ صناعة الأزياء هي من أكثر الصناعات المضرّة بيئيّاً والأقلّ إنصافاً في العالم على صعيد الحقوق الإنسانيّة والحيوانيّة... كما تهيمن الموضة السريعة، التي تستلهم الصيحات من المنصّات وتقوم بتصنيعها بجودة أقلّ وأسعار منخفضة. بعد مرور سنوات من الحملات الداعمة لعالم الاستدامة على كافّة الأصعدة، بدأت الموضة في السنوات الأخيرة بتبنّي استراتيجيّات أكثر استدامة، ليصبح مستقبل الموضة أكثر وعياً واهتماماً بالبيئة وبهذا المبدأ.

• تزايد عدد المستهلكين المهتمّين بقضايا البيئة.
• الشعور بالوعي والمسؤوليّة تجاه المستهلك.
• تفاقم الأضرار البيئيّة التي تتسبب بها هذه الصناعة سواء على المياه، الهواء، الطبيعة...
• تخطّي الحقوق الإنسانيّة والحيوانيّة.
• الموادّ المستدامة ذات جودة عالية، تدوم طويلاً ويعاد تدويرها.

• تجنّبي صيحات الموضة الموسميّة.
• استثمري المال في ملابسكِ.
• ابحثي عن علامات تجاريّة صديقة للبيئة.
• استبدلي الفرو الطبيعيّ بالاصطناعيّ.
• اشتري تصاميم Vintage أو Thrifted واستأجري تصاميم السهرات.
• اغسلي الملابس بمسؤوليّة.
• استغني عن الأكياس على أنواعها.
• أعيدي تدوير ملابسكِ غير المرغوب بها بأشياء جديدة أو أعيدي بيعها.

صحيح أنّ الأحداث السياسيّة لها أهميّة كبيرة، إلّا أنّ الأضواء تتسلّط دائماً على الأزياء، لا لتصنيفها بالأفضل أو الأسوأ، إنّما للرموز التي تحملها. تعتبر الأزياء أداة للتعبير عن الواقع ولتوصيل رسائل سياسيّة، اجتماعيّة إيجابيّة. اللّون البنفسجيّ يعبّر عن الوحدة، هو لون الوفاء، المثابرة والصمود. اللّون الأزرق يعبّر عن الثقة والاستقرار. الأبيض تعبير عن التفاؤل وحقوق المرأة.

• الطبعات، التطريزات وحتى الأكسسوارات قد تحمل الكثير من المعاني. جسّدت طرحة Megan Markle رابطة الشعوب البريطانيّة المعروفة بدول الكومنولث، فكلّ دولة اختُصرت بوردة مطرّزة تعكس ثروتها النباتيّة.
• اعتمدت Lady Gaga بروش على شكل حمامة، خلال حفل تنصيب Joe Biden كرسالة للسلام.
• كانت وزيرة الخارجيّة الأميركيّة السابقة Madeleine Albright توصل رسائل سياسيّة من خلال البروش الذي كانت تعتمده في كلّ مناسبة.

الموضة تؤكّد على القضايا الإجتماعية لطالما كانت الموضة والمجتمع متشابكين، لكن خلال السنوات الماضية، أصبحت هذه العلاقة أكثر وضوحاً. شهد العالم في الفترة الأخيرة احتجاجات ضخمة ضدّ الاعتداء الجنسيّ، التمييز العنصريّ، تغيّر المناخ، حقوق المرأة وغيرها. على منصّات العروض، نرى كيف استجابت صناعة الأزياء لهذه القضايا الاجتماعيّة، إنْ من خلال الأزياء، أو حتى من خلال ديكور المنصّات.