ربّما زرتِها من قبل أو لم تزوريها بعد، لكنّكِ حتماً كبرتِ وأنتِ تحلمين بتلك المدينة الرومنسيّة التي تهمس في خيالكِ. هكذا هي باريس، تترككِ مليئة بالأحاسيس، تجعلكِ تمشين بدهاليزَ من الأحلام الجميلة كلّما مررتِ بشوارعها، تملئكِ بروحها الفنيّة وتجذبكِ بأضوائها التي لا تنطفئ، تماماً كسحرها الذي لا يخفت مهما مرّ عليه الزمن. لذا عندما تلقّيت دعوة لاكتشاف معالم جديدة في هذه المدينة الأوروبيّة العريقة، وجدت نفسي أوضّب الحقيبة، مستعدّة للانطلاق والاستسلام لكلّ ما ستحمله إليّ باريس الجميلة!
أوّلاً دعيني أفضي لكِ بسرّ! لست من اللّواتي يستمتعن بركوب الطائرة، فأنا أجد السفر مهمّة شاقّة في أغلب الأوقات، وأتمنّى لو استطعت أن أنتقل إلى الأماكن التي أريد الوصول إليها بمجرّد إغلاق عينيّ وتخيّلها، لكنّ هذه المرّة كانت مختلفة. طائرة Air France المريحة وخدمة طاقم العمل الودود تكفّلت بإزالة التشنّج الذي أشعر به قبل كلّ رحلة، تناسيت القلق واستمتعت بشرب عصير منعش وتناول وجبة لذيذة، وأنا أشاهد أحدث الأفلام والمسلسلات التلفزيونيّة، وقبل أن أدري، وجدت نفسي أحطّ في باريس لتبدأ رحلتي لاكتشافها بسلاسة تامّة! الآن استعدّي كي آخذكِ معي في رحلتي التي اكتشفت فيها أكثر الأماكن رواجاً حالياً في المدينة الفرنسيّة المليئة بالحياة...
1 - مركز Georges Pompidou
لا شيء ينافس الشعور الذي تمنحكِ إيّاه الفنون على اختلاف أنواعها، فهي تعبّر أفضل من الكلمات وتُغنيكِ برسائلها المبطّنة، وهل هناك أفضل من باريس للغوص في عالم الفنون وتغذية ثقافتكِ دون أن تشعري بدقيقة من الملل؟
ابدئي بمركز Georges Pompidou إذا كنتِ تهوين فنّ الرسم، فهو يقدّم حتى 29 يناير 2018 معرضاً استثنائيّاً للرسّام André Derain الذي عاش في عصر Pablo Picasso. لوحات نابضة بالألوان، منحوتات خشبيّة مستوحاة من الحضارة الأفريقيّة وحتى صور ستدخلكِ إلى عالم هذا الرسّام الفرنسيّ وتكشف لكِ عن شغفه الغامض.
2- متحف La Fondation Louis Vuitton
إذا كنتِ من هواة الفنّ المعاصر، ستستمتعين بالتجوّل في متحف The Museum of Modern Art الذي يعرض 200 عمل فنّي من القرنين الـ20 والـ21، بالتعاون مع مؤسّسة Louis Vuitton. رحلة زمنيّة تمتدّ من العام 1880 حتى يومنا هذا، مقسّمة بالتدرّج الزمنيّ على 4 طوابق من مبنى Frank Gehry المميّز لتشمل أنواعاً مختلفة من التعبير الفنيّ: رسومات، منحوتات، صور، أفلام، هندسة، تصميم، وفنّ الميديا... حواسّكِ ستستيقظ وتوقظ أحاسيس حنين، خاصّةً عندما تشاهدين الأفلام بالأبيض والأسود وتعودين إلى ثقافة البوب في الخمسينيّات!
3- جولة Walk With Coco
عاصمة الموضة مغرية بمتاجرها الأنيقة، تدعوكِ للتسوّق والاحتفال بالتصاميم المترفة والذوق الرفيع، والأهمّ، هي موطن لأشهر مصمّمي أزياء العالم. ماذا لو كان بإمكانكِ قضاء يوم مع Coco Chanel واكتشاف جوانب لم تعرفيها من قبل من شخصيّة هذه المصمّمة العبقريّة. جولة Set in Paris ستجعلكِ تسيرين على خطى Coco، فتأخذكِ بنزهة إلى حديقة Jardin des Tuileries وأنتِ تحتسين الشوكولا الساخن من مقهى Angélina الأحبّ إلى قلبها قبل أن تستكملي رحلتكِ بالزمن وتغذّي مخيّلتكِ بلحظاتٍ عاشتها، فتشعرين بأنّكِ تقضين يوماً من حياتها. ستغمركِ الأحاسيس عند الوقوف أمام المتجر الأوّل لدار Chanel والذي تعلوه شقّة Coco Chanel، في حين تسمعين قصصاً عن نجاحاتها خرقت الزمن الذي عاشت فيه.
4- متحف Yves Saint Laurent
الآن وجّهي البوصلة إلى 5 avenue Marceau، ستصلين إلى المكان المرادف للسحر الفرنسيّ، دار Yves Saint Laurent للخياطة الراقية الذي تحوّل إلى متحف، يحتفل بإبداعات الرجل الذي غيّر الطريقة التي تعتمد بها النساء أزياءها إلى الأبد! هذه الدار كانت ملجأ المصمّم الذي ابتكر فيها تصاميمه الراقية على مدار 30 سنة وتحوّلت اليوم إلى مصغّر عن حياته، تكشف لكِ طريقة عمله وتأخذكِ إلى عالمه المليء بالسحر والابتكار الذي لا يعرف حدوداً. ستتنقّلين بين غرف المتحف لتكتشفي قصّة حياة Yves Saint Laurent الاستثنائيّة من خلال رواية بصريّة تتجسّد بالصور، الرسومات، الملاحظات التي كتبها، فيديوهات ومقاطع صوتيّة... ولتكتشفي أشهر تصاميمه الأيقونيّة التي باتت مرادفة للأناقة الفرنسيّة، بدءاً من مجموعته الأولى في العام 1962، مروراً بمجموعة Mondrian في العام 1965 و Ballets Russes في العام 1976، وصولاً لابتكاره بزّة Smoking التي أثّرت بأجيال من النساء ولا تزال موجودة حتى اليوم!
لكنّ الأمر لا يقتصر على الأرشيف، بل يقدّم المتحف أيضاً نظرة عن طريقة عمل هذا المصمّم الشغوف، فلا تستطيعين سوى الشعور بالدهشة عند الوقوف أمام مكتبه الخاصّ الذي لا يزال محفوظاً كما هو، ولا تزال رسوماته الملونّة ومجسّمات عن تصاميمه تتناثر عليه، كأنّه ترك دلالة على مخيّلته الناشطة كتذكار. المتحف يضمّ أيضاً مئات القطع من المجوهرات الراقية والأكسسوارات التي تجسّد روح المصمّم الانتقائيّة والمنفردة وعشرات الفساتين الراقية التي استوحاها من حقبات سابقة أو حضارات مختلفة. ربّما أراد Yves Saint Laurent أن يُخلّد عمله في متحف كهذا يوماً ما، فمن المدهش أنّه كان يترك أرشيفاً لكلّ أعماله من الرسم حتى التنفيذ، خطوة لم يقم بها أيّ مصمّم من ذاك الزمن قبله!
5- متجر La Fabrique Générale الفريد من نوعه
إنْ كنتِ برفقة زوجكِ، وجدنا لكما المكان المثاليّ ليرضي شغفكما، ففي متجر La Fabrique Générale، تتداخل الموضة بعالم المركبات السريعة! ثنائيّ جمع تصميم القبّعات والدرّاجات الناريّة في مكان استثنائيّ، تسوّقي قدر ما تشائين من قبّعات الفيدورا بألوانها الحيويّة الرائعة، ودعي زوجكِ يستمتع بانتقاء الدرّاجات الناريّة الجنونيّة!
6- مدرسة Van Cleef & Arpels للمجوهرات الراقية
لمحبّات المجوهرات والأحجار الكريمة، مدرسة Van Cleef & Arpels وجهة لا تفوّت! استمتعي بمعاينة الأحجار الثمينة والنادرة واكتشاف معلومات تاريخيّة عنها ستغيّر نظرتكِ وتكشف لكِ جانباً آخر من عالم المجوهرات المترف. إنْ كنتِ تقضين عطلة طويلة في باريس، تسجّلي بصفوف الحرف اليدويّة وتعلّمي كيفيّة صنع المجوهرات من التصميم إلى التنفيذ في دورات سريعة ومسليّة...فلا تنسي يا عزيزتي أنّ المجوهرات هي صديقتكِ المفضلّة!
7- المطاعم الرائعة التي تلبّي كلّ الأذواق
رحلتكِ الباريسيّة لا تكتمل دون تجربة أكثر المطاعم رواجاً وعصريّة. دعي حواّسكِ تنغمس بالأطباق الفرنسيّة الشهيّة والصحيّة في مطعم Georges وأنتِ تشاهدين منظراً خلّاباً مطلّاً على برج إيفل ونهر السين، ولا تنسي تناول سلطة الفواكه الاستوائيّة المنعشة قبل المغادرة!
إذا كنتِ منفتحة لتجربة أطباق جديدة، توجّهي إلى مطعم Montée الذي يجمع فنّ المطبخ الفرنسيّ ببساطة المطبخ اليابانيّ، واستمتعي بمأكولات خفيفة ومفعمة بمذاق لم تختبريه من قبل. الثمار البحريّة المتنوعّة، الخضار والفاكهة تتمازج سويّاً في أطباق تغري عينيكِ قبل تذوقّها.
أمّا إذا أردتِ اختبار شعور البيسترو الفرنسيّ التقليديّ الدافىء، فـLes Jalles سيلبّي طلبكِ. أطباقه الدسمة التي ترتكز على الطهو البطيء ستذوب في فمكِ، فيما يجذبكِ ديكوره المستوحى من العشرينيّات للجلوس لساعات والاستمتاع بأجوائه.
نعم، ربّما زرتِ باريس مئات المرّات من قبل، أو إنْ لم تزوريها بعد فقد حان الوقت، لأنّ هذه المدينة هي من المدن القليلة التي تزداد سحراً في الشتاء مع سقوط المطر، والأجمل أنّها تخلق لكِ فرصاً لاكتشافها كلّ يوم بطريقة جديدة. خلافاً عن بقيّة المدن، سحر باريس يتجدّد كلّما مرّ عليها الزمن!
