كأوّل فنّانة أوبرا سعوديّة، لم تكتفِ سوسن البهيتي بأن تكون مجرّد صوتٍ جميلٍ على المسرح، بل تحوّلت إلى رائدةٍ تحمل رسالةً ثقافيّةً وفنيّةً. تقف اليوم كمثال حيّ على قوّة الشغف حين يتحوّل إلى فعل، وعلى قدرة الفنّ في اختراق الحواجز الثقافيّة وإعادة رسم ملامح المشهد الفنيّ المحليّ. لقد أثبتت أنّ الأوبرا ليست حكراً على مسارح أوروبا، بل يُمكن أن تنبع من قلب المملكة، بصوتٍ سعوديّ وهويّةٍ لا تُشبه سواها. تعرّفي إلى سوسن البهيتي، الشخصيّة الرئيسيّة لهذا العدد.
1- كيف بدأتِ رحلتكِ مع الأوبرا، وما الذي جذبكِ إليها تحديداً رغم أنّ هذا الفنّ ليس شائعاً في السعوديّة؟
منذ طفولتي، شكّلت الموسيقى جزءاً أساسيّاً من عالمي، وكان للموسيقى الكلاسيكيّة مكانة خاصّة في قلبي. وعندما اكتشفت قدرتي على أداء الأوبرا، بدأتُ تدريباتٍ مكثّفةٍ. في عام 2008، ومع بداية دراستي في الجامعة الأميركيّة في الشارقة، التحقتُ بمادة الكورال كمادة إضافيّة على تخصّصي إلى جانب تخصّصي في الإعلام، وهناك اكتشف قائد الفرقة قدرات صوتي ووجّهني بالتدريب. في المرّة الأولى التي وقفتُ فيها على المسرح وغنيّتُ الأوبرا، شعرتُ بقوّة هذا الشغف، فأدركتُ وتأكدتُ أن الأوبرا أصبحت جزءاً عميقاً ومتجذّراً في حياتي. لم أكن أدرك أنّي سأكون أوّل فنّانة أوبرا سعوديّة، ولم أهتمّ لمدى شهرة هذا الفن لدى الجمهور السعوديّ، لكن وحين بدأتُ مسيرتي المهنيّة قرّرتُ أن أقدّم له هذا الفنّ. اليوم، بدأت الأوبرا تلقى انتشاراً متزايداً على الساحة الفنيّة السعوديّة.
2- لو أردتِ تلخيص ما تعنيه لكِ الأوبرا في 3 كلمات، ماذا تقولين؟
فنّ، رقيّ، رسالة.
3- كيف ساهمت رؤية 2030 في فتح آفاقٍ جديدةٍ أمامكِ كمغنّية أوبرا سعوديّة؟
ساهمت رؤية 2030 في تمكيني كفنّانة أوبرا محليّاً وعالميّاً من خلال المشاركة في عروض موسيقيّة في مناسبات عدّة، والغناء مع فنّانين عالميين مثل Andrea Bocelli، وفنّاني دار أوبرا باريس في العلا. بالإضافة إلى فرص تعليميّة وتدريبيّة مميّزة، حيث أنهيتُ مؤخراً برنامج تدريب مكثّف في إيطاليا لمدّة سنة ونصف. كما ساهمتُ في وضع حجر الأساس للأوبرا في المملكة وتعريف الجمهور السعوديّ بهذا الفنّ.



4- ما هي اللحظة التي شعرتِ فيها بأنّ صوتكِ لم يعد فقط أداة فنيّة، بل رسالة تمثّل صوت المرأة السعوديّة؟
بعد أن أُطلق عليّ لقب "أوّل فنّانة أوبرا سعوديّة"، أدركتُ مسؤولية تمثيل المرأة السعودية الطموحة التي تواجه التحديّات بثبات. هذا اللقب حمّلني التزاماً بتقديم أفضل ما لديّ وتطوير نفسي لأكون جديرة بالثقة محلياً وعالمياً.
5- بالنسبة لكِ، كيف ترين تطوّر دور المرأة السعوديّة في المشهد الفنيّ خلال السنوات الأخيرة؟
في السنوات الأخيرة، برزت مغنيّات سعوديّات قدّمن مختلف الأنماط الموسيقيّة، سواء العربيّة أو الغربيّة، وهو أمر يدعو للفخر. مع ذلك، ما زلتُ أتطلّع إلى اليوم الذي تصل فيه المغنيّة السعوديّة إلى نجاحات عالميّة. ولتحقيق ذلك، نحتاج إلى منظومة موسيقيّة داعمة تُتيح للفنّانات التطوّر والاستمرار في مسيرتهن بثبات.
6- ما هي السِمات التي تميّز شخصيّتكِ؟ وما هي الصفة التي نجحتِ في اكتسابها مع مرور الوقت ومن خلال الخبرة؟
القيادة والعطاء من أبرز صفاتي، وأستمتع بممارستهما في حياتي المهنيّة والشخصيّة. أعتزّ باللطف والبساطة والتواضع في التعامل، فهي برأيي صفات الفنّان الحقيقي. ومن خلال عملي كمديرة للفرق الموسيقيّة السعوديّة في هيئة الموسيقى لأكثر من 3 سنوات، اكتسبتُ خبرات عمليّة وتعلّمتُ الصمود أمام التحديّات مع الحفاظ على التركيز على الهدف.


7-إذا تسنّت لكِ فرصة العودة بالزمن إلى بداية مسيرتكِ المهنيّة، ما النصيحة التي تقدّمينها لنفسكِ في تلك المرحلة؟
كنتُ أتمنّى لو حصلتُ على قدر أكبر من التدريب والمعرفة الموسيقيّة من جهات عالميّة في بداية مسيرتي، لكنّني انشغلتُ بمسارات أخرى، مثل تأسيس معهد The Soulful Voice، وعملي في هيئة الموسيقى على مشاريع مهمّة كالأوركسترا والكورال الوطنيّ السعوديّ.
8-ما هو الأثر الذي تحلمين بأن تتركيه في عالم الأوبرا، وكيف ترغبين أن يُذكر اسمكِ في هذا المجال؟
أطمحُ لأنّ أكون القوّة الدافعة لتجديد عالم الأوبرا من خلال إنتاج أعمال أوبرا مسرحيّة عربية تُعرض عالميّاً. بدأنا بذلك مع "زرقاء اليمامة"، أوّل أوبرا سعوديّة وعربيّة ضخمة، والتي عُرضت لأوّل مرّة في الرياض في أبريل 2024، ونعمل الآن على تقديمها عالميّاً. الأوبرا تحتاج إلى تجديد لأن معظم أعمالها الشهيرة قديمة ولا تعكس أجيال اليوم.


9-هل كان هناك موقف أو لحظة شعرتِ فيها أنّك تريدين الاستسلام، وكيف تجاوزتِ ذلك؟
نعم، مررتُ بمواقف آذتني ودفعتني للتفكير بالاستسلام، والتخلّي عن كلّ ما بنيتهُ وحقّقته في مسيرتي المهنيّة. لكن، في كلّ مرة، أتذكّر أنّ رسالتي الفنيّة أسمى من الأشخاص وأخطائهم، فهي رسالة سامية ترتبط برؤية 2030 وتمتدّ إلى ما بعدها. وذلك كان كفيلاً بردع أيّ شعور بالخذلان والإحباط.
10-ما هي الرسالة التي ترغبين بتوجيهها إلى كلّ امرأة، عربيّة بشكلٍ عام وسعوديّة بشكلٍ خاصّ، تطمح إلى استكشاف عالم الفنّ وتحديداً الأوبرا؟
هويّتكِ العربيّة هي ما سيميّزكِ ويفتح لكِ أبواب النجاح، فحافظي عليها في كلّ خطوة من حياتكِ. ولكلّ من ترغب في دخول عالم الأوبرا أنصحها بتلقّي التدريب والمعرفة الموسيقيّة من جهات احترافيّة. اعملي على تطوير نفسكِ فالتدريب والتعلّم هما رفيقا رحلة كلّ مغنّية حقيقيّة.

