لطالما كانت الأماكن هي العنصر الأقوى الذي يحيي مخيّلتي ويشعل فيّ حنيناً إلى أزمنةٍ تمنّيت لو عشت فيها... لكنّ هذا المكان بالذات سيطر تماماً على حواسي وما زال، أيّاماً بعد مغادرتي له، يسكن أفكاري... في Dar Alma، ستجدين السكينة التي تبحثين عنها، ستعيشين كفينيقيّة صادقت الأمواج، ستتوهين في الأزقّة المجاورة علّكِ تجدين نفسكِ. هنا، ستشعرين بأنّكِ غادرتِ كوكب الأرض، فلا شيء يشبه الحياة السريعة التي تعيشينها.
المكان: صور في جنوب لبنان، رابع أقدم مدينة في العالم. نقطة اللّقاء: مرفأ الصيّادين. هنا ركنّا السيارة لنكمل سيراً على الأقدام نحو Dar Alma، فالأزقّة القديمة في الحارة لا تريد استيعاب أكثر من أحواض زهور، نساءٍ يتسامرن عند أبواب بيوتهنّ وبعض الدرّاجات الناريّة التي تستطيع المرور دون إحداث زحمة. واجهات المنازل متشابهة، لكنّ يافطة صغيرة تشير إلى أنّنا وصلنا. بابٌ قديم يؤدّي إلى باحة الاستقبال وآخر إلى الغرف، الشاطئ والترّاس. ابتسامات السكّان المحليّين، حسن استقبال الموظّفين، بساطة المكان وأناقته، كلّها عناصر جعلتني أشعر بأنّ هذا المنزل الصوريّ القديم سيكون منزلي لليومين القادمين.
بين الصعود لاستكشاف الجناح الذي حجزناه أو الارتماء في أحضان البحر الأبيض المتوسّط، اخترت الاحتمال الثاني! لم أستطع مقاومة الشاطئ الصغير الخاصّ بالفندق وشفافيّة مياهه. قدرة المكان على إحياء المشاعر استثنائيّة! بين موجةٍ هادئة وأخرى، فكّرت أنّ ربّما سحر المدن القديمة يكمن في كونها تحتفظ بذكريات ومشاعر مَن سكنوها على مرّ العقود، لذا تكون الروائح فيها مختلفة، الأصوات مختلفة، وحتى نحن، نتحوّل عندما نزورها إلى أشخاصٍ مليئين بالسلام والسكينة. تخيّلت أولاداً يلاعبون البحر الذي كان منذ 100 عامٍ وسيلة سلواهم الوحيدة... ثمّ عدت 1000 عامٍ إلى الوراء وتخيّلت حرّاس القلعة العسكريّة الصليبيّة التي ما زالت تقوم مباشرةً على يمين الشاطئ والمنزل الذي كانوا يرتاحون فيه والذي يشكلّ اليوم ترّاس الفندق. يقاطعني صوت أحد الموظّفين، يدعوني لتناول شرابٍ منعش ويسألني ما إذا كنت بحاجة لشيء. أفضل ما في أماكن الاستضافة الصغيرة هو تلك المعاملة الخاصّة التي لا ننالها في أكبر الفنادق العالميّة.
حتماً الرجل الذي رمّم هذا المنزل وفتح أبوابه للزوّار الباحثين عن تجارب استثنائيّة، يملك الكثير من الشغف، الحبّ والحنين، ويظهر ذلك في كلّ تفصيلٍ في Dar Alma. يخبرنا فيليب تابت قصّته: "عندما أعلمتني والدتي أنّ الجيران يريدون بيع منزلهم، قلت سأشتريه مهما كان ثمنه، لأنّني رغبت في امتلاكه منذ كنت طفلاً ولطالما حلمت به". أجمل ما في المكان هو أنّ تابت لم يحاول تغيير معالم المنزل أو الشاطئ أو حتى الحارة، بل ترك كلّ شيء ساحراً بأصالته، وذلك يعكس فخره بمدينته، أهلها وطبيعتها. ماذا عن الاسم؟ "أردت اسماً عربيّاً وفي الوقت عينه سهل النطق بالنسبة لغير العرب، فوقع اختياري على Alma وهو اسم والدتي الذي يعني الروح في اللّغة الإسبانيّة".
ديكور الفندق الذي فتح أبوابه في فبراير من هذا العام يعكس مزيجاً من الهندسة اللبنانيّة التقليديّة، الهندسة الداخليّة لمنازل صور المتناغمة مع حياة الشاطئ، ولمسة أنيقة لكن بسيطة أضافها فيليب تابت. تمّ بناء الطابق الأوّل من المنزل في أواخر القرن التاسع عشر والطابق الثاني في خمسينيّات القرن الماضي، أمّا الطابق الثالث الذي يشبه العليّة، فتمّ بناؤه مؤخّراً. يضاف إلى ذلك، الترّاس القائم على الشاطئ والذي كان مطموراً منذ مئات السنين وتمّ اكتشافه خلال عمليّة الترميم.
في الجناح القائم في الطابق الثالث والمؤلّف من غرفة نوم، غرفة جلوس وشرفة مطلّة على الأزرق اللّامتناهي، قضيت مع صديقاتي فترة استراحة قبل الخروج مجدّداً لاستكشاف صور. الأثاث خشبيّ بألوان الأرض والبلاط، مزركش على الطريقة اللبنانيّة القديمة، ومثل سائر زوايا الفندق، يمنح الزائر شعوراً بأنّه في منزله. يكفي تأمّلاً بالبحر من الواجهة الزجاجيّة العريضة، فغداً سأصحو هنا! الآن سأتوه قليلاً في أزقّة صور القديمة، سأزور محالّ الصناعة المحليّة وسأقصد مرفأ الصيّادين... في طريقنا، عرض أحد السكّان الفرحين بطبيعتهم، أن يدلّنا إلى الأماكن التي يجب رؤيتها، فقضينا تلك الأمسية بين الميناء الرومانيّ القديم وموقع الباس الأثريّ، ثمّ تناولنا السمك والأطباق المحليّة في مطعم مطلّ على البحر.
غفوت تلك اللّيلة مبتسمةً، لا أعرف ما إذا استمرّت تلك الابتسامة على شفتيّ طوال اللّيل، لأنّني استيقظت مبتسمةً أيضاً... ماذا أريد بعد؟ هاتف مقفل، سكونٌ يكسره صوت الأمواج العذبة، شمسٌ تنتظرني لأرتمي في أحضانها وفطورٌ بلديّ شهيّ جدّاً. لا أصدّق أنّني سأرجع اليوم إلى الواقع! لكنّني حتماً سأعود إلى هذه الجنّة الصغيرة...
إقرئي أيضاً: إليكِ برنامج تنحيف من منتجع Carnac Thalasso & Spa
مركز CK MEDICAL CENTER التجميليّ قولي وداعاً للدهون!