لاحظنا أمراً آخر خلال جلستنا هذه. إليسا سيّدة تعرف ماذا تريد! لم تتردّد لثانية عند طرح أيّ سؤال، أفكارها واضحة وعباراتها جاهزة لا تعرف التردّد. ردّاً على سؤالي عمّا إذا أعماها الغرور يوماً، تجيب: "عندما يحقّق الإنسان إنجازاً ما، من المتوقّع أن يفتخر بنفسه ويعشقه للحظة، وإلّا لا يكون إنساناً طبيعيّاً. لكنّ الذكاء هو في العودة إلى الأرض والواقع بسرعة. تتدخّل باسكال: "تقومين بذلك لوحدكِ أو ثمّة مَن يعيدكِ إلى الأرض؟". تجيب: "ليس هناك مَن يتحكّم بطريقة تفكيري وتصرّفي. أنا صديقة نفسي، أصفّق لها في غالبيّة الأحيان وأوجّه لها صفعةً لتستعيد وعيها عندما يلزم الأمر! فخورة بكلّ ما حقّقته، لكنّني لم أمرّ يوماً بحالة الغرور الأعمى. ربّما ساعدني في ذلك واقع أنّني كنتُ ناضجة عندما بدأتُ مسيرتي. تبعت إحساسي وعقلي في كلّ القرارات التي اتّخذتها". تستفيد ماندي من الحديث عن العمل قليلاً لتسألها ما إذا كانت تعتبر نفسها سيّدة أعمال ماهرة أم فنّانة ناجحة، وتوضح لها إليسا بثقة: "استطعت النجاح في الدورين. الأمران مرتبطان، فأنا أختار أغنياتي، كذلك أتدخّل في تفاصيل العقود التي أوقّعها، وأقرّر استراتيجيّة عملي".
هل اتكّلتِ على جمالكِ في مرحلةٍ ما؟ "لم أتّكل على مظهري يوماً... لا أنكر أنّني أملك الجاذبيّة والأنوثة، لكنّني لا أرى نفسي جميلة جدّاً! لم يعنِ لي هذا الموضوع يوماً، ولا أتذكّر أنّني اهتممت مرّةً بلقب "أجمل فنّانة". الصحافة والجمهور وضعاني ضمن خانة أجمل السيّدات وقد أحببت ذلك، وأنا اليوم أحبّ مظهري أكثر من ذي قبل. لا أحاول إخفاء ما وهبني إيّاه الخالق من أنوثة وجمال، ولكنّني في الوقت عينه لا أفتعل هذه الصفات، فبذل المجهود لإظهار الأنوثة سيفسد الأمر حتماً، لأنّ قوّتها تكمن في كونها طبيعيّة". تدرك ما هي المعايير التي جعلت منها نجمة في الصفّ الأوّل على مدى سنوات وصولاً إلى اليوم، وتفسّر ذلك بأنّها تملك ما يلزم لتكون نجمة: "لديّ الحدّ الأدنى لأكون ناجحة، فأنا أملك الصوت، الحضور، الكاريزما والذكاء... لنقل إنّني أملك القليل من كلّ شيء". تعقّب ضاحكةً: "بس أنا عندي أكتر بكتير".
تحبّ إليسا القراءة خصوصاً كتب السير الذاتيّة، لكنّ الاستثناء يبقى Paulo Coelho وكتابه L’alchimiste. تملك مقارباتٍ خاصّة بها فيما يتعلّق بمفاهيم الحياة. السعادة بالنسبة لها مثلاً أمرٌ نسبيّ: "هي شعورٌ لا يمكننا الحصول عليه طيلة الوقت، إنّما نسعى إليه باستمرار. في جميع الأحوال، أوقات السعادة أقصر بكثير من أوقات الحزن، لكنّ مقاربتي للسعادة بسيطة، تكمن أحياناً في الأشياء الصغيرة غير المتوقّعة، فقد تسعدني هديّة مفاجِئة أكثر من حدثٍ كبير. فيما يخصّ الحبّ، كثيراً ما أعيش السعادة حتى لو علمتُ أنّها مؤقّتة، وهذا خيارٌ لا يعود لي، لأنّني عندما أتورّط في الحبّ أعيشه حتى النهاية. فيما يخصّ بقيّة المفاهيم، فأنا لا أثقل عقلي بأسئلة وجوديّة صعبة. لا أخاف من مرور السنوات، هذا أمرٌ لا بدّ منه، نعيشه جميعاً وأقبله بكلّ طيبة خاطر. لا أفكّر بالموت ولا أخاف منه، لكنّني أخشى خسارة مَن أحبّهم ولن أتخطّى هذا الخوف يوماً".
هل كلّ تلك القناعات مستقاة من إيمانكِ بدينكِ؟ "أنا مقتنعة بديني وأحبّه، أقدّر الحريّة، التسامح، الوصايا والمبادئ التي يقوم عليها، أشكر ربّي كلّ يومٍ أنّني ولدتُ حاملةً ديني". هل يقف ذلك عائقاً في الحبّ: "لا، مطلقاً! لا أرى مشكلة في أن أتزوّج رجلاً من دينٍ آخر، فأنا مع الزواج المدنيّ في كلتا الحالتين. فيما يخصّ الأولاد، قد نصل إلى صيغةٍ ترضي الجميع وهي تربيتهم على الخصال الحميدة وحبّ الله من دون أن يكون ذلك في إطار دينٍ واحد".
انتقلنا إلى الحديث عن الصفات المختلفة التي تحملها شخصيّة إليسا، كالقوّة والرقّة، الجديّة والإحساس المرهف، الواقعيّة والرومنسيّة، وكدنا نسمّي ذلك تناقضاً، لكنّها حوّلت الحديث لصالحها من دون مجهود: "لا أرى هذا تناقضاً بل تكاملاً. "أنا شاطرة كتير بشغلي". "أعرف ما يريده الجمهور، أتكيّف مع كلّ الظروف والحالات وأتصرّف تبعاً لها. أكون المرأة الحديديّة عندما يتطلّب الأمر ذلك، وأكون فنّانة عاشقة عندما أغنّي، أنا كلّ تلك الصفات مجتمعة. أنا كلّ النساء. أستطيع مثلاً خلق حبيبٍ خياليّ في الاستوديو بهدف عيش الأغنية معه، وعندما غنّيت "عبالي حبيبي" فعلتُ ذلك لأنّه لم يكن لديّ حبيبٌ حقيقيّ، ولم يصدّق أحدٌ ذلك عند سماع الأغنية. هذا جزءٌ أتقنه من عملي، يساعدني في ذلك طبعاً موهبتي والإحساس العالي الذي أملكه".
آخذها إلى حديثٍ آخر أعتقد أنّه ليس ملعبها، لكنّ الإجابة واضحة هذه المرّة أيضاً! أقول لها إنّ كلّ تلك الشهرة، المعجبين والنجاح يسبّب حتماً خللاً ما في النفس ويتطلّب متابعة طبيبٍ مختصّ، فتجيب: "لم أزر يوماً طبيباً نفسيّاً لكنّني لستُ ضدّ ذلك. عندما أشعر بالحاجة إلى مساعدة نفسيّة سأطلبها حتماً، لكنّني حتى اليوم استطعتُ مصادقة نفسي، فهمها ومجاراتها". تُعقّب باسكال: "ربّما لأنّكِ تستطيعين مشاركة أسراركِ وأفكاركِ مع صديقٍ مقرّب". تجيبها: "نعم هذا أمرٌ مهمّ جدّاً بالنسبة لي، وقد يكمن علاجي في التكلّم والبوح، لا أحبّ أن أخفي الأشياء في قلبي، بل مشاركتها مع أشخاصٍ أرتاح لهم وأثق بهم". تُكمل ماندي: "ربّما يعود صفاؤكِ النفسيّ أيضاً إلى أنّكِ تفصلين حياتكِ الشخصيّة عن الشهرة"، تجيبها إليسا بتأكيد: "هذا صحيح لأنّني لا أعيش الشهرة في داخلي ولا أفكّر أنّ الجميع يراني عندما أقوم بأمرٍ ما، لكنّ جمهوري سلاحي، فعندما أكون بحاجة لإعطاء نفسي جرعة من الدعم والقوّة أقول: أنا إليسا ولديّ ملايين الأشخاص الذين يحبّونني".
سؤالٌ عمليّ أخير: ما هو السرّ الذي يجعل قراراتكِ صائبة 100% فيما يخصّ خيارات الأغنيات؟ هل يمكنكِ إخبارنا بالتفصيل كيف تختارين أغنية؟ "في اللّيل ومباشرةً قبل النوم، أستفيد من صفاء ذهني لأستمع لوحدي إلى اقتراحات الأغاني وأعرف فوراً الأغنية التي ستكون لي عندما تمسّ مشاعري وتبكيني! استمعتُ مؤخّراً إلى أغنيةٍ تحاكي كلّ النساء اللّواتي يعانين من حزنٍ ما، واستعدتُ من خلالها تجاربي الخاصّة وقصصاً أعرفها عن نساء أخريات، فقرّرت أن أضمّها إلى عملي المقبل... لا أعتمد على معايير، تقنيّات ومتطلّبات السوق خلال اختياري الأغنية، بل أتبع إحساسي وحدسي بشكلٍ كامل. لا أحد يتدخّل في خياراتي ولا أطلب أن يساعدني أحدٌ في قراراتي، لكنّني أحبّ أن يستمع بعض الأصدقاء المثقّفين موسيقيّاً إلى أغنياتي قبل تسجيلها".
لا تتأخّر في تسمية كلّ من شقيقها ومدير أعمالها لدى سؤالها عن الشخص الذي تتكّل عليه في الأزمات، لكنّ المرأة القويّة فيها تستدرك الحديث فوراً لتقول: "لا أنتظر من الأشخاص المقرّبين منّي إخراجي من مشكلةٍ ما، بل يكفيني أن يستمعوا إليّ...".