close
close
jamalouki.net
إشتركي في النشرة الالكترونية

Christian Louboutin: ذكريات الطفولة الحالمة

في منزله الباريسيّ العابق بتحفٍ ولوحاتٍ ومجسّماتٍ أتى بها من كلّ مكان، يستقبلنا بطاقةٍ صباحيّة متفائلة. من الواضح أنّه شخصٌ لا يعرف التذمّر! أمرٌ لفتني كثيراً، لاحظت فيما بعد أنّه مقصود. صانع الأحذية الأهمّ في تاريخ الموضة، يتنقّل حافي القدمين عندما يسمح الوقت والظرف بذلك! فريق العمل يحضّر لجلسة التصوير مع صديقة Louboutin الأقدم والأقرب إلى قلبه، العارضة الأيقونيّة Farida Khelfa. يتنقّل رئيس تحرير هذا العدد ممسكاً بكوب الشاي الأخضر في انتظار أن نعطيه إشارة البدء بالعمل. الدقائق الأولى توضح أنّه شخصٌ ليّن وديمقراطيّ، يؤمن بروح الفريق. المقابلة معه ستبدأ في باريس، ستكتمل لاحقاً في مصر ودبي، ولا يعلم أحدٌ أين ستنتهي، فهو يلد الفكرة تلوَ الأخرى، وكلّها أفكارٌ مرتبطة بأماكن يحبّها. الجلسة معه ستقوم على حزمةٍ من الصور، سيشاهدها ويتكلّم عن كلّ صورة، فحاسّة النظر لديه هي الأبلغ والأكثر قدرة على التعبير...

لِمَ Farida؟ "نشأتُ محاطاً بنساءٍ عديدات. كان لديّ والدة وثلاث أخوات، لكنّني لطالما اعتبرت Farida شقيقتي الرابعة والأهمّ لأنّنا نشأنا معاً. عرفتها في سنّ المراهقة وسرعان ما وُلد بيننا رابطٌ لا يمكن تفسيره، جعلنا ننصهر ونشعر بالأخوّة. ما زلنا نتمتّع بهذا الرابط الطفوليّ حتى اليوم، ونشعر ببعضنا من دون الحاجة إلى الكلام. شقيقاتي كنّ أكبر منّي بكثير، لذا عشت معها الأخوّة الحقيقيّة. كانت الفتاة الأولى التي اشتريت لها حذاءً ذا كعبٍ عالٍ... هي بالنسبة لي اليوم مثال المرأة الساحرة التي تصبّ السنوات في مصلحتها. مرتاحة في علاقتها مع نفسها ومع الآخرين، وذلك يسهم في تعزيز جمالها".

لا يجسّد Christian Louboutin نموذج الفنّان الذي اكتشف موهبته وانكبّ على تنميتها في سنٍّ مبكرة من دون الاهتمام بأيّ شيءٍ آخر. شغفه بالتعرّف على حضاراتٍ غريبة والغوص في كلّ ما هو جميل بدأ منذ سنين الطفولة وتبلور في المراهقة من خلال اتّجاهه نحو كلّ ما لم يكن محطّ اهتمام أبناء جيله: " لطالما أحببت كلّ ما هو مشهديّ ومسرحيّ. في حقبة السبعينيّات كنت مراهقاً يعاني من تباعدٍ مع كلّ المظاهر الفنيّة التي كانت سائدة. لم أحبّ سينما السبعينيّات، ولا الممثّلات، ولا الملابس، ولا الهندسة والألوان... كنت أكثر إعجاباً بحقبتيّ الخمسينيّات والثلاثينيّات، بكلّ ما يحثّ على الحلم ويبتعد عن الحياة العاديّة. المكان الوحيد الذي لم يكن يشبه حداثة السبعينيّات ، كان مسرح Music Hall الذي شكّل مرجعاً شاهداً على الحقبات السابقة. كنت أقصده غالباً، بحثاً عمّا يشبع حواسي. كنت أيضاً أجد متعةً في التعرّف على بلادٍ جديدة، والتعمّق في الحضارات. انجذبت بشكلٍ طبيعيّ ومن دون التفكير كثيراً، نحو كلّ ما يؤمّن لي الغذاء الجماليّ. لم أكن أرغب في قضاء عطلتي على الشاطئ كالمراهقين من سنّي. ملأت أوقاتي أيضاً بمشاهدة الأفلام المصريّة القديمة، وبعدها زرت مصر وسحرني تاريخها وحاضرها... لطالما شعرت بحاجةٍ ملحّة لرؤية كلّ ما هو جميل وغريب عنّي. أشعر بالمتعة اليوم عندما أجلس لأرسم، فتبدأ تلك الذكريات البصريّة بالعودة إليّ لتساعدني على الخلق. لطالما أبقيت عينيّ متفتّحتين".

يؤكّد أنّه لم يكن يهرب من واقعٍ معيّن نحو تلك المراهقة غير الاعتياديّة، بل كان يركض نحو كلّ ما يرضي شغفه بالمعرفة والجمال. لا شكّ أنّ وراء ذلك المراهق الفريد من نوعه، كانت والدة متفهّمة وداعمة. تتغيّر نبرة صوته ونظراته عند التكلّم عنها. يصبح أكثر ثقةً بما يقول، أكثر عاطفة، وأكثر امتناناً: "فكرة أن أخسر والدتي لطالما عذّبتني. تربيتها لي كانت محبّة لدرجة أنّني لم أجد يوماً شيئاً أزعجني. تمتّعت برابطٍ خاصّ معها، ولم تمرّ لحظة في طفولتي ومراهقتي ابتعدت فيها عن أمّي. كانت مُحبّة، غير مسيطرة، لكن دائماً حاضرة. في طفولتي اعتقدت أنّ كلّ الأمّهات مثلها، لكنّني اكتشفت لاحقاً أنّها كانت صاحبة شخصيّةٍ استثنائيّة. هي لم تحكم يوماً على أحد، كانت متسامحة مع الآخرين، وقد ورثت عنها هذه الصفة. لستُ بحاكم تّجاه الناس لأنّ ذلك لا يسبّب سوى الضرر، تّجاه النفس وتّجاه الآخرين على حدٍّ سواء". ماذا عن والدكَ؟ يستعيد وضعيّة جسمه المستقيمة ويجيب: "لم يكن والدي موجوداً في طفولتي بقدر أمّي. لم يكن شخصاً يتكلّم كثيراً. عندما نكون أطفالاً لا نفهم بعض التصرّفات، لكن عندما نصبح ناضجين نستوعب أنّ الجميع لا يعطون بالطريقة نفسها، لأنّ الشخصيّات تختلف. كان وجوده في حياتي كالقمر، فيما كان وجود أمّي كالشمس، وهذان العنصران متساويان بالأهميّة في الحياة. أبي كان في الظلّ وأمي كانت في الضوء. تعلّمت من أميّ بشكلٍ واعٍ ومن أبي بشكلٍ غير واعٍ، لكنّي تعلّمت الكثير منه. كان يهتمّ بالتفاصيل المرئيّة بحكم عمله في صناعة الأثاث"...