إن تعمّقنا في فنّ تصميم الأزياء، قد نلاحظ أن القماش يتقن لغة الجسد. كيف يلتفّ حوله بانسيابية، يختار طيّاته بنفسه، ويخلق من نفسه شكلًا يشبهنا. قبل الخياطة، كانت الحضارات القديمة تكتفي باللّف وبالطيّ بأسلوب الدرابيه. واليوم، وسط كل هذا التعقيد، يلمع أسلوب الدرابيه كفنّ منسيّ... فيه عفوية، والكثير من الصدق. كأننا لا نرتدي القماش، بل نلبس إحساساً بالحرية والحضور.
من لفّات عفويّة إلى قصّات محدّدة
قبل اختراع الخياطة، كان القماش يُستخدم كما هو، دون قصّ أو تعديل، ويُلفّ حول الجسم بطرق مبتكرة. في حضارات مثل اليونان، روما، ومصر القديمة، لم تكن الملابس تُفصّل، بل تُشكّل من قطعة قماش واحدة تُدرّج وتُطوى بأسلوب "الدرابيه" الذي يتميّز بانسيابه الطبيعيّ والأنيق. لم يكن هذا الأسلوب مجرّد حلّ عمليّ، بل حمل دلالات اجتماعيّة وثقافيّة عميقة. فالتوغا الرومانيّة والساري الهنديّ، مثلا، عبّرا من خلال طيّاتهما عن مكانة الفرد، دوره في المجتمع، تقاليده وهويّته.

لطالما ارتبط أسلوب الدرابيه بتاريخ عريق، لكنّه لم يجد طريقه إلى عالم الأزياء الراقية إلاّ في القرن الـ19. كان المصمّم Charles Frederick Worth، المعروف بلقب "أب الخياطة الراقية"، من أوائل من استخدم هذه التقنيّة في تصاميمه. ابتكر أزياء فاخرة ومعقّدة باستخدام الطيّات المنسدلة، لاقت إعجاب الزبائن الأثرياء في باريس، مما رسّخ هذا الأسلوب كرمزٍ للأناقة والفنّ في عالم الموضة.

Holger Blom

طريقة الدرابيه في الحضارة المصرية
في أوائل القرن الـ20، أعاد بعض المصمّمين إحياء الدرابيه بأساليب جديدة، أبرزهم Madeleine Vionnet، التي تعاملت مع القماش كما يتعامل النحّات مع الطين. كانت رائدة في استخدام القصّ (Bias Cut) وهي طريقة لقصّ القماش بزاوية 45 درجة على النسيج، ما سمح للقماش أن ينساب طبيعيّاً مع منحنيات الجسم، مضيفاً إحساساً بالحركة والأنوثة.

ثم جاءت Madame Grès، التي حوّلت أسلوب الدرابيه إلى ما يشبه الفنّ المعماريّ، مستخدمة مئات الطيّات الصغيرة لتصميم فساتين مستوحاة من النساء في الأساطير الإغريقيّة.
وسيلة للتمرّد والحريّة
في الستينيّات، أصبح الدرابيه وسيلة للتعبير عن الحريّة وكسر القواعد التقليديّة في الموضة. استعاد المصمّمون هذه التقنيّة بروح جديدة فابتكر Issey Miyake مقاربة مختلفة، حيث ترك القماش حرّاً وبعيداً عن الجسم.
في السبعينيّات، تمّ التركيز على الأساليب الناعمة التي تجمع بين الأنوثة والبساطة، بما يناسب روح العصر آنذاك.

Comme De Garcons FW84

Issey Miyake

في الثمانينيّات، دمج Azzedine Alaïa بين أسلوب الدرابيه والتصاميم المحدّدة، ليبرز تفاصيل الجسم بشكلٍ منحوتٍ. أما في التسعينيّات، فظهر بأسلوب بسيط وتجريديّ مع مصممين مثل Rei Kawakubo وYohji Yamamoto. في العقد الأوّل من الألفيّة، عاد هذا الأسلوب بقوّة، حيث استخدمه John Galliano وAlexander McQueen بطرق دراماتيكيّة. أمّا في العقد التالي، فاتّجهت الدور مثل Chloé وThe Row نحو تقديمه بأسلوب بسيط، يواكب التحوّل نحو الراحة والموضة المستدامة.



Azzedine Alaia
ماذا عن اليوم؟ pre-fall 2025
يتمّ تقديم الدرابيه اليوم بأبعاد جديدة تعكس تطوّر الموضة وتحوّلاتها. اعتمدته بعض العلامات بأسلوب مستقبليّ يُحاكي الحركة والانسياب، فيما طرحته علامات أخرى بصيغ هندسيّة وغير تقليديّة، تعيد تعريف العلاقة بين القماش والجسم. يجمع الدرابيه بين الدقّة والحرّية في التصميم، ويعبّر عن أسلوب في الموضة تحرّكه المشاعر، غير مرتبط بالجندر، ويتغيّر باستمرار. يمنح الجسم حرّية الحركة والتعبير بطريقته الخاصّة.



