الجلد، يتأرجح بين دلائله المتناقضة! قد يمنحكِ لوك امرأة جريئة، أو فتاة روك مشاغبة، سيّدة أعمال راقية أو نجمة سجّادة حمراء. ما لا يمكن أن تحتاري به، أنه القماش الأبدي الأزلي الذي تستثمرين به أموالكِ براحة بال وثقة، مدركةً أن قطعة الجلد هذه، لن تتأثّر بعوامل الطبيعة أو الزمن. لكن قبل أن يصل الجلد إلى منصّات العروض ليشقّ بعد ذلك طريقه إلى خزانتكِ، رافق لحظاتٍ عزيزة على قلب تاريخ الموضة، لحظات تحرّك في داخلكِ الحنين لاعتماد قطعة جلدية فاخرة، قد تكونين ظلمتِها ونسيتِ أمرها!
الجلد استثمار من عمر الإنسان!
عمر الجلد من عمر وجود الإنسان! منذ البداية، استخدمت الجلود لصناعة الأدوات والأزياء على مرّ التاريخ. من العصر الحجري، البرونزي، الحديدي، العصور القديمة، العصور الوسطى، عصر النهضة، الثورة الصناعية وصولاً إلى العصر الحديث، جميعها كانت محطّات شهدت على تطوّر الجلد لخلق ألف شكلٍ وشكل جديد منه.أمّا وجه الجلد الأبرز في عالم الأزياء، فقد برز في اليونان القديمة، حيث ابتُكرت الصنادل المصنوعة من الجلد، في مصر أيضاً، وكذلك فيروما. من تجارب الإنسان واختباراته مع الطبيعة، تعلّم تقنيّات التجفيف واخترع فيما بعد آلاتٍ خاصّة تنتج الجلد.الهدف هو معالجة جلد الحيوان بطرق مختلفة، تعرف عموماً بالدباغة من أجل الحفاظ عليها وتنعيمها. لم يقتصر استخدام الجلود على الملابس والأكسسوارات فحسب، بل ارتبط منذ فترةٍ طويلة، وخصوصاً خلال العصر الفيكتوريّ بصناعة الأثاث وبتغليف الروايات للمؤلّفين، مثل Charles Dickens وOscar Wilde بالجلد المذهب، وهي تباع اليوم بمبالغ طائلة في المزادات.
تطوّر دباغة الجلد
ازدهرت رسميّاً التجارة في قماش الجلد مع انتهاء الحروب العالمية وحلول الاستقرار والازدهار، فانتعشت الأسواق وشهدت حركة الصادرات والواردات ديناميكية ملحوظة، ثمّ زاد حجم التصنيع الجلدي وعدد العاملين في هذا المجال، مثل الدبّاغين الحرفيّين. بحلول العام 1925، كان هناك الكثير من الوظائف المتخصّصة بدباغة الجلود لصناعة السلع، مثل الكتب، الأحذية، القفّازات والحقائب. وبالرغم من استحداث الكثير من الآلات، بقيت جودتها غير قادرة على الوصول إلى حرفية الأعمال اليدوية. نعني بكلّ ما سبق جلود الحيوانات، وخصوصاً العجول، البقر، الماعز، النعاج... وهي مواد صلبة لا تتحلّل مع مرور الوقت.
حلّ الجلد الاصطناعي كبديلٍ يحمي الحيوانات في العام 1963، حين أنتجت شركة Dupont أوّل عيّنة من الجلد الاصطناعيّ من البوليستر. ظهرت في وقتٍ لاحق أقمشة جلد اصطناعي من ألياف مادة PVC. في التسعينيّات، نشط مجال الأحذية الجلدية على منصّات العروض، الشاشات الكبيرة وحجز الجلد مكانته بين أهمّ الصيحات.
روّاد السبعينيات في ابتكار تصاميم من الجلد
خلال الستينيّات والسبعينيات، عملت المصمّمة الأميركية Bonnie Cashin على قطعٍ جلديّة ضمن نطاقٍ واسع ومجالٍ إبداعي متنوّع، وكذلك دور أوروبية، مثل Claude Montana وVersace وArmani وUngaro وFendi وGucci وAlaia، وبالأخصّ دار Hermès التي باتت الرائدة في صناعة الجلود خلال الثمانينيّات. أمّا الفضل الكبير، فيعود إلى Yves Saint Laurent، لأنه كان المصمّم الأوّل الذي قدّم الجلد ضمن مجموعات الخياطة الراقية في العام 1960 لدار Dior Couture، حين كان مديرها الإبداعيّ. العجيب وقتذاك، أن تلك التصاميم لم تحظَ برضى الصحافة أو الزبائن! ثمّ راح المصمّمون في أميركا يتوسّعون من جديد، أكثر وأكثر بابتكارات وإمكانيّات جلديّة غير محدودة، مثل Ralph Lauren وCalvin Klein وGeoffrey Beene وDonna Karan...
هل قماش الجلد للأغنياء فقط؟
آمن المصمّمون على مرّ التاريخ بجاذبية الجلد وزيّنوا به مجموعات الأزياء الراقية، إلّا أنه كان متاحاً للأغنياء، نظراً لسعره المرتفع، فأصبح مرادفاً لكلمة Luxury، أي الترف. تطلق عادةً شركات المدابغ في جميع أنحاء العالم وصفات جديدة لتسمير الجلد وتلوينه، لكن المصمّمين لا يرضون بالقليل أو بمستوى عاديّ، فلم يقبلوا سوى بإضافة المزيد من الإثارة على الجلود، فأعطوا تعليمات بختم الجلود، نقشها، ضغطها، طيّها، زخرفتها وتطريزها... وبذلك شمل اعتماد الجلد الملابس اليومية والخاصّة بالسهرات على حدّ سوء. لطالما كانت سترة الطيّارين القطعة الجلديّة الأكثر تداولاً، اشتهر بها الجنرال Patton في الحرب العالميّة الثانية. أمّا السترة الجلدية السوداء التي اعتمدها James Dean في العام 1950، فقد أطلقت صيحة صاخبة في عالم الموضة، ثبّت مكانتهاالمصمّم الأميركي Irving Schott الذي كان وراء أوّل سترة دراجين جلدية في العام 1928، صمّمها لماركة Harley Davidson بسحّاب، بعد أن كان رائجاً استخدام الأزرار، وأطلق عليها اسم Perfecto.هذه السترة الجلدية كانت حكراً على الرجال فقط، إلى أن أطلّت حقبة الحريّة والمساواة بين الرجل والمرأة في السبعينيّات. اشتهرتخلالها فرقة الروك Blondie التي روّج أعضاؤها لإطلالاتٍ جلديّة تعبّر عن الشغب وطابع البانك. من هنا، اكتسب الجلد طابعاً أكثر شعبيّة.
الجلد في المجموعات الجديدة
للجلد حصّته في مجموعات Resort 2021، إمّا من خلال إطلالاتٍ جلديّة كاملة، مثل الفساتين في مجموعة Isabel Marant، أو من خلال الأكسسوارات الفاخرة من أحزمة، حقائب وأحذية، كما في تصاميم Dior وSalvatore Ferragamo وغيرهما. أمّا التصميم البطل، فهو السترة الجلدية الرسميّة السوداء لدى داري Eudon Choi وGabriela Hearst... وقد راعت بعض الدور مشاعر محبّي الحيوانات وقدّمت جلوداً مستدامة، مثل Off-White! تتابع موضة الجلد مسيرتها نحو موسم ربيع وصيف 2021 وتركّز أن تكون صيحة باللون الأسود وتحمل الهوية الكلاسيكية، كما على منصّات CHANEL وLouis Vuitton...
الجلد في عالم السينما والموسيقى
Marlon Brandon، هو الممثّل الأول الذي ارتدى سترة جلدية على شاشات السينما، وذلك خلال الخمسينيّات في فيلم The Wild one، فباتت بمثابة ثقافة لدى الشبّان في ذلك الوقت، خصوصاً محبّي الروك أند رول، كما اشتهرالممثّل Henry Winkler بالسترة الجلدية خلال أدائه لدور Fonzie في سلسلة Happy Days في العام 1974. وكيف ننسى البزة الجلدية الزهرية التي تألّقت بها Reese Witherspoon في فيلم Legally Blond بدور Elle في العام 2001! عندما أصدرت Madonna فيديو لأغنية Papa Don't Preach في العام 1986، وجّهت أسلوب البانك والسترات الجلديّة في الاتّجاه الصحيح، فباتت كل فتاة فاشينيستا (خلال الثمانينيّات) ترتدي تيشرت فرقتها الموسيقية المفضّلة وفوقها سترة جلديّة.
أجدد إطلالات النجمات وهن يرتدين الجلد
أجدد إطلالات النجمات التي رصدناها تشجعنا على اعتماد صيحة الجلد بأشكاله وألوانه المختلفة والجذابة. بإمكانك التلاعب بهذه الصيحة لتجعليها أكثر عصرية وإثارة للإهتمام. اعتمدي معطف جلدي طويل مع حزام عند الخصر مثل Katie Holmes، نسقي مع سترتك الجلدية السوداء أكسسوارات جريئة مثل القبعة والفازات كإطلالة Ascia. كوني مخاطرة مثل Celine Dion واخلطي بين قطعتين متناقضتين مثل القميص الجلدي والتنورة ذات الطيات أو ارتدي السروال الجلدي مع سترة ضخمة واستخدمي الوشاح بطريقة تغطي الأنف والشفاه لإضافة لمسة مميزة وحماية نفسك من فيروس كورونا كما فعلت Olivia Palermo.
الفرق بين الجلد العادي، جلد السويد واللاتكس
الفرق بينها أنّ الجلد هو مادة مصنوعة عن طريق دباغة الجلود الحيوانية الخام، وهي متينة ومرنة. جلد السويد، أي الجلد المدبوغ هو نوع خاصّ،تتمّ معالجة سطحه كي يكون ملمسه ألطف، أمّا اللاتكس، فهو مادة مطّاطية تستخرج من أحد أنواع الأشجار، منها ما هو اصطناعيّ ويشبه الجلد الحقيقي إلى حدّ بعيد.
ملاحظة: لمنظّمة حقوق الحيوان المعروفة بـPeta تاريخ عظيم في مهاجمة صناع الجلود، فكثرة النداءات حثّت المصمّمين على اللجوء إلى الجلود الاصطناعية بهدف عدم قتل الحيوانات لأغراض الموضة. بالرغم من ذلك، حافظت صناعة الملابس الجلدية العالمية القائمة على الجلد الحقيقيّ على قيمتها العالية التي تصل إلى أكثر من 14.5 مليون دولار.