جمال مثاليّ، جسم نحيف وخالٍ من العيوب... معايير فرضها المجتمع على النساء وأقنعهن بوجود هذه الأفكار البعيدة عن الواقع، لكن في السنوات الأخيرة، رأينا تحوّلاً كبيراً في المجتمع، على السوشيل ميديا وفي عالم الأزياء، يدعو إلى إلغاء المعايير الجمالية كما عرفها العالم والاحتفال بالتفرّد، خصوصاً فيما يخصّ الجسم. من نساء عانَين بسبب الوزن الزائد ويشجّعن على تقبّل الذات والثقة بالنفس، إلى دور أزياء روّجت لمفهوم عارضات الأزياء الممتلئات، إلى الوعي أكثر بما يخصّ صحّة الجسم قبل شكله، كيف تغيّر مفهوم الجسم المثاليّ وما الذي ساهم في هذا التحوّل؟ إليكِ التفاصيل في هذا التقرير.
تغيّر مفهوم الجسم المثالي عبر السنوات
مفهوم الجسم المثالي في حقبة الخمسينيات كان الجسم الممتلئ على شكل الساعة الرملية، وكانت المرأة تلقى تشجيعاً لزيادة وزنها وراجت المكمّلات الغذائية التي تساعد على اكتساب الوزن. كان ذلك بمثابة ردّ فعل بعد الحرب العالمية الثانية التي فرضت الأجسام النحيلة في تلك الفترة. في الستينيات والسبعينيات، عادت الأجسام النحيلة الى الواجهة من جديد، وجسّدت عارضة الأزياء Twiggy صورة المرأة النحيفة جداً، قلبت المعايير وأصبح المقاس 0 هو السائد. هذا الأمر أثّر سلباً على صحّة النساء وعادات أكلهن، مما أدّى إلى ظهور فقدان الشهية العصبي لأوّل مرة،كما وشهدت حقبة السبعينيّات ظهور حبوب الحمية لقمع الشهيّة.
في بداية التسعينيات، أصبح مفهوم الجسم المثالي مبالغاً به، حيث كان من المتوقع أن تحافظ النساء على جسم نحيل أكثر من أيّ وقت مضى لدرجة تكون العظام بارزة. عُرف هذا المفهوم بـHeroine Chic وجسّدته عارضة الأزياء Kate Moss حينها.
المقاس 0 ليس مقاس طبيعي
مع نهاية القرن العشرين، ظلّت معايير الجمال غير واقعيّة. أصبحت النحافة بعيدة المنال بالنسبة للمرأة العاديّة التي تسعى للحصول على مقاس 0، تماماً كعارضات الأزياء اللّواتي نراهنّ على منصّات الموضة، في المجلّات والإعلانات. وصل الأمر إلى ذروته عندما أصبح هذا التوجّه غير صحيّ أو حتى مميتاً في عالم الموضة، حيث فرض على عارضات الأزياء أن تكون أوزانهنّ منخفضة جداً. أدّى هذا الأمر إلى وفاة عارضة الأزياء Luisel Ramos في العام 2006 بسبب الأنوركسيا التي كانت تعاني منها، وعارضة الأزياء البرازيلية Anna Carolina Reston بسبب اضطرابات الأكل أيضاً. أثار هذان الحدثان ضجّة كبيرة في عالم الموضة، ما أدّى إلى القيام بخطوة ثوريّة ومنع عارضات الأزياء النحيفات جداً من المشاركة في عروض الأزياء. بعد ذلك بوقت قصير، بادر أسبوع الموضة في إسبانيا في هذه الخطوة، ليتّخذ أسبوع الموضة في ميلانو الإجراء نفسه. أمّا الخطوة الكبرى، كانت حين قدّمت دار CHANEL أوّل عارضة ممتلئة في عرضها لمجموعة Cruise في العام 2010، ليليها في عام 2016 مصمّم الأزياء Christian Siriano في تقديم 5 عارضات ممتلئات في عرضه خلال أسبوع الموضة في نيويورك. في العامنفسه، أطلقت شركة Mattel مجموعة من دمى Barbie تجسّد مختلف أشكال الأجسام، بما فيها الممتلئات. في العام 2017، بعدما أصبحت معايير جمال عارضات إيطاليا وإسبانيا مغايرة تماماً عن تلك المواصفات التي تجبر العارضات بشكل جسم محدّد، دخلت فرنسا أيضاً في سباق مكافحة إنقاص الوزن.
عارضات ازياء ممتلئات: جزء أساسي في عالم الموضة
بعد الحركة الثوريّة ضدّ المقاس 0، أصبح التنوّع في أحجام الجسم جزءاً لا يتجزّأ في عالم الموضة، وتزايد عدد عارضات الأزياء الممتلئات. لربيع 2021، استدعت العديد من الدور عارضات أزياء ممتلئات تركن بصمتهنّ في عالم الموضة، وغيّرن صورة الجسم المثاليّ. دار Versace قدّمت للمرّة الأولى في تاريخها 3 عارضات ممتلئات، كذلك، عارضة الأزياء Paloma Elsesser هي أوّل عارضة أزياء ممتلئة في تاريخ دار Salvatore Ferragamo. الجسم المتحرّر من مقاييس الوزن على منصّات العروض لا يمنح فقط الممتلئات فرصة لامتلاك وارتداء أزياء فاخرة، ولكن يسمح لهنّ برؤية أجسام مثل أجسامهنّ في الحملات الإعلانيّة وعروض الأزياء، ممّا يساعدهنّ على تكوين صورة إيجابية للجسم والشعور بالانتماء إلى المجتمع.
السوشيل ميديا تلعب دور أساسي في تكوين صورة الجسم الإيجابية
ما رأيناه في السنوات الأخيرة في عالم الموضة وعلى منصّات عروض الأزياء ليس إلّا خطوة لتغيير فكر المجتمع حول معايير الجسم المثاليّ. في العام 2012، عدد كبير من النساء وحّدن قوتهنّ لمواجهة الضغوطات التي يفرضها المجتمع وأطلقن الحركة الإيجابيّة للجسم Body Positivity Movement التي تهدف إلى التأكيد على أنّ جميع الناسيستحقّون الحصول على صورة إيجابية للجسم، بغضّ النظر عن الطريقة التي ينظر بها المجتمع إلى الشكل والحجم والقياسات المثالية.
عارضة الأزياء Ashley Graham كانت من أوّل من غيّرن هذا المفهوم، Demi Lovato أصبحت مدافعة عن صورة الجسم الصحيّ بعد أن تغلّبت على اضطراب الأكل، وبالنسبة لها، الجمال هو الجمال الداخليّ بعيداً عن شكل الجسم وحجمه. تليها أول عارضة أزياء ممتلئة في العالم العربيّ AmeniEsseibi ومصمّمة الأزياء Dima Ayad التي أصبح الترويج لحبّ الذات من هويّة علامتها الأساسية. بدورها، Katie Sturino تنشر إطلالات للممتلئات مستوحاة من نجمات عالميات. تدعو عارضة الأزياء وراكبة الأمواج Bo Stanley جميع النساء على حبّ الذات وإيجابية الجسم على انستغرام، كما وتحفّز على ممارسة التمارين لحياة صحية وليس بهدف إنقاص الوزن. تلحق بقافلة المؤثرات اللّواتي يفتخرن بأجسامهنّ بكل مقاييسها Ghaliah Amin وJada Sezer وLeah Vernon.
5 نصائح لتكوين صورة إيجابية حول الجسم والتحرّر من مقاييس الوزن
- كوّني محيطاً خاصاً بكِ من أشخاص إيجابيّين في الواقع وأونلاين.
- احبّي نفسكِ!
- توقّفي عن مقارنة جسمكِ بأجسام أخرى.
- ارتدي ملابس تشعرين بها بالراحة والثقة بالنفس.
- دللي نفسكِ واظهري بعض التقدير لجسمكِ.
ثقافة اتّباع نظام غذائي
قواعد، نصائح وحيل كثيرة تتغيّر وتتبدّل، لا تقعي فريستها معتقدة أنها ستساعدكِ، ففي النهاية ستتعبكِ وستؤثّر سلباً على صحّتكِ الجسديّة والنفسيّة. أنتِ لستِ راضية عن جسمكِ ولا تشعرين بالثقة والراحة، فتلجئين إلى اتّباع حمية غذائية لخسارة الوزن والحصول على جسم نحيف، حتى وإن كلّفكِ هذا الأمر صحّتكِ... هذا ما نسمّيه Diet Culture! هذه الثقافة تعزّز فقدان الوزن كهدف أساسيّ في المجتمع وتنشىء صورة خاطئة للجسم، فتنتج عنها مشاكل صحّية ونفسيّة كثيرة. اليوم، حان الوقت للتخلّي عن هذه الثقافة، عند القيام بهذا الأمر، ستشعرين بتحسّن، ستبدئين في الاعتناء بنفسكِ، وفي وضع رفاهيتكِ وصحّتكِ فوق أيّ اعتبار. على عكس ما تعتقدين، التخلّي عن ثقافة الحمية لا يعني أنكِ تستسلمين، بل يعني أنّكِ اخترتِ الاعتناء بنفسكِ وبصحّة جسمكِ، بدلاً من الاعتناء برقم الميزان أو مقاس الملابس. هناك فرق كبير!