مشهد الموضة اليوم ليس في تغيّر فحسب، إنّما يخضع لتحوّلٍ كاملٍ، ويشكّل الجيل Z قلب هذا التحوّل، إذ يرى الموضة بعدسةٍ مختلفة. من هنا، انقسمت العلامات بين تلك التي استطاعت أن تواكب متطلّبات هذا الجيل وتفضيلاته، والعلامات التي تخضع للتغيير مُرغمة. لغة Gen Z ليست سهلة أو بسيطة، فهل تنجح العلامات التجاريّة بتحدّثها؟ اكتشفي الجواب في هذا التقرير مع وجهات نظر خبراء في عالم الموضة.
مشهد الموضة يتحوّل
1- ما هو تعريف الفخامة بالنسبة للجيل Z؟
بحسب تقرير Bain & Company، بحلول عام 2030 ستشكّل مشتريات الجيل Z ثلث سوق السلع الفاخرة، ومن المتوقع أن يزيد الإنفاق من قبل هذا الجيل بسرعة تفوق 3 مرّات الأجيال الأكبر سناً. وفقًا لتقرير حالة السياحة والضيافة لعام 2024 الصادر عن شركة McKinsey، فإن 76% من جيل Z أصبحوا أكثر اهتماماً بالسفر من ذي قبل. إضافة إلى ذلك، يفضّل العديد من مستهلكي جيل Z العلامات التجاريّة المحليّة.
من هنا، نرى أن ليس فقط قطاع الأزياء الفاخرة وإنما الأزياء المحلية وحتى السفر، تلقى إقبالاً كبيراً من قبل الجيل Z، وذلك بسبب التغييرات التي تقوم بها العلامات في سياساتها والتجارب التي تقدّمها حيث يشعر هذا الجيل بالقيمة التي يدفعها مقابل الخدمات. كذلك، يحبّ هذا الجيل أن يدلّل نفسه فيلجأ للسفر للحصول على أقصى قدر من الراحة.
لنعد بالزمن إلى السبعينيّات، عندما كانت النساء يتهافتْنَ، مع بداية كلّ شهرٍ، لشراءِ قطعةٍ باهظة الثمن، بهدف التباهي فحسب. في التسعينيّات، كانت المرأة تنفق أموالها على قطعٍ تستطيع الاستثمار بها. أمّا جيل اليوم، فمختلف تماماً، لا ينفق أمواله إلاّ على القطع التي تعبّر عنه وعن مبادئه. من هنا، يُمكننا اختصار مشهد الموضة، من لعبة اجتماعيّة بحتة إلى أداةٍ للتعبير عن الذات. من جهة أخرى، إذا أردنا أن نتحدّث عن الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الإجتماعيّ في تغيير مشهد الرفاهية، فلا يُمكننا أن ننكر أنّ جيل الألفيّة، الذي اخترع هذه المواقع، هو من مهّد الطريق أمام جيل Z لتحويلها إلى سلاح وأداة فعّالة للتعبير عن رأيه وفرض هويّته.
2- علامات تخضع للتغيير مُرغمة
• لتلبية متطلّبات الجيل Z، يتوجّب على العلامات الفاخرة أن تعدّل في سياساتها، قيمها وحتى في هويّة تصاميمها.
• تكافح العلامات التجاريّة الفاخرة في سبيل الإستجابة لتوقّعات العملاء سريعة التغيير. كما تزداد التحدّيات مع معالجة القضايا المتعلقة بسرد القصص التجاريّة، أهميّة العميل، قنوات المبيعات، تحسين الجودة، وتجارب العلامة التجاريّة.
• العديد من العلامات التجاريّة التي تخضع للتغيير الآن، تلعب بأمان، وفي عالم الرفاهية، يعتبر اللعب بأمان، خسارة. ما ينقص هو فهم متطلّبات مستهلكي جيل Z ومجاراتها.
علامات في الطليعة بالرغم من العقبات
من جهة أخرى، بفضل الاستثمارات الضخمة التي قامت بها العلامات التجاريّة الفاخرة، سواء من خلال تنظيم عروض كبيرة في جميع أنحاء العالم أو التركيز على تقديم منتجات "أيقونية" أو "IT"، استطاعت أن تُتقن لغة المستهلكين الجدد، أيّ جيل Z. مثال على ذلك، علامة Jacquemus، التي تضمّنت حملاتها التسويقيّة الأخيرة استخدام الذكاء الإصطناعي. الحملة الخاصّة بحقيبة Le Bambino التي تطفو على سطح البحر، أدّت إلى زيادة عمليّات البحث عن العلامة التجاريّة بنسبة %17، بحسب موقع Lyst.
1- ما هي لغة جيل Z؟
سرد القصص: يحبّ جيل Z القصص، ويشعر بالإنتماء إلى العلامات التي تحمل وراء تصاميمها قصصاً ذات معنى ومبادىء تتماشى مع قيمه.
Miu Miu
التخصيص: يرغب جيل الشباب بالشعور أن العلامة التجاريّة تتفهّم احتياجاته وتفضيلاته الشخصيّة، وأنّها قادرة على تقديم منتجات أو خدمات مخصّصة.
Gucci
الابتكار: يرتبط بأحدث الاتجاهات والتقنيّات، وينجذب إلى العلامات التجاريّة الفاخرة التي تظهر تركيزاً على الإبتكار والإبداع.
Olivia Rodrigo في فستان من Thom Browne
الأصالة: يشعر هذا الجيل بالثقة عندما تكون العلامة التجاريّة وفيّة لقيمها ورسالتها.
Loro Piana
الاستدامة: يميل جيل Z إلى دعم العلامات التجاريّة الملتزمة بالمسؤوليّة الاجتماعيّة والبيئيّة.
التجارب: يستثمر جيل Z في التجارب بدل السلع. فبحسب دراسة أجرتها Eventbrite، فإن %78 من جيل Z وجيل الألفيّة يفضّلون إنفاق المال على تجربة شخصيّة بدلاً من إنفاقها على سلعة ماديّة. وذلك لأن التجارب لا تُنسى وتوفّر إحساساً أكبر بالسعادة.
كيوسك Hermès في Aix-en-Provence
المحاسبة: لا يفكّر هذا الجيل مرّتين في محاسبة العلامات، وقطع صلته بها إذا لم تلتزم بالمبادئ الإنسانيّة.
الإنفاق الواعي: على الرغم من ميله إلى الرفاهية، فإن هذا الجيل يتمتّع بالذكاء الاقتصاديّ، ويمزج العناصر الفاخرة مع السلع الفينتاج، ويبحث عن القيمة من دون المساومة على الأسلوب.
جيل العالم الرقميّ: يتعرّض الجيل Z إلى الكثير من المحتوى يوميّاً على وسائل التواصل الإجتماعيّ، ممّا يجعل العلامات في موقف صعب أمام تتبّع هذا المحتوى واتّجهاته التي لا تكاد تنتشر حتى تزول.
Balenciaga تطلق لعبة AR
أسلوب الحياة المريح: يفضّل جيل Z صيحات الموضة غير الرسميّة والمريحة التي تعكس منظوره إلى الرفاهية.
مصدر الصورة: انستقرام _sadiesink@
بحسب موقع Lyst، أهمّ العلامات التجاريّة للربع الثالث من هذا العام:
• Miu Miu
• Loewe
• Prada
• Bottega Veneta
• Versace
• Saint Laurent
• Moncler
• Valentino
• Jacquemus
• Burberry
2- تطبيق TikTok محرّك أساسيّ في تغيير الموضة الفاخرة
من هو الجيل المسيطر على تطبيق تيك توك؟ بالطبع جيل Z. يحبّ الإبداع، الأصالة ومشاركة التجارب الحياتيّة الحقيقيّة وإضفاء لمسة جديدة على الاتجاهات الثقافيّة الناشئة. لذلك، أصبح من الضروريّ للعلامات التجاريّة الفاخرة أن تتماشى مع هذه التغييرات، لتواكب جيلاً لا يريد محادثة أحاديّة مع العلامة، بل المزيد من الحوار. من هنا، شهدنا على دخول بعض العلامات عالم تيك توك للوصول إلى هذا الجيل.
اختتمت علامة Moncler العام 2020 بتحدّي MonclerBubbleUp# حيث تمّ التعاون مع المؤثّرة Charli D’Amelio، للمشاركة. قام التحدّي على إعادة ابتكار لوك المعطف المنتفخ بأكياس النوم، أكياس الفقاعات وغيرها... وصل التحدّي إلى أكثر من 4.7 مليار مشاهدة على TikTok وكان من أكثر التحدّيات المنتشرة في ذلك العام.
أقامت دار Balmain عرض أزياء بمناسبة الذكرى السنويّة الـ75 على متن قارب في نهر السين، وكانت أوّل علامة تبثّ عرض أزياء مباشر على TikTok. وصل هاشتاغ BalmainsurSeine# إلى 15.6 مليون مشاهدة.
عرض Balmain Sur Seine
أطلقت علامة Burberry حملة TBChallenge# لمجموعة Thomas Burberry Monogram في العام 2021، حيث تحدّت جمهورها لابتكار تصميم Thomas Burberry Monogram Motif. أسفر التحدّي عن أكثر من 57 مليون مشاهدة و30 ألف مقطع فيديو يحمل وسم العلامة التجاريّة. تحدّي Guccimodelchallenge# حقّق أكثر من 12 مليون مشاهدة، حيث تحدّت الدار المستخدمين لتصوير مقاطع فيديو بملابس متعدّدة الطبقات.
تيك توك vs انستقرام
لطالما كان تطبيق انستقرام المفضّل لدى محبّات الموضة والعلامات التجاريّة الفاخرة على حدّ سواء، كونه منصّة قويّة للبيع. مع دخول تطبيق TikTok عالم السوشيل ميديا، وانتشار الفيديوهات القصيرة، كان لا بدّ للعلامات أن تتبع الصيحات. من هنا، استخدمت العلامات تيك توك لنشر الفيديوهات العفويّة، الأقرب إلى المستهلكين، من خلال Memes، تحدّيات وغيرها لتحصد الكثير من المشاهدات بسرعة. أمّا إنستقرام، فبقي لنشر الفيديوهات الإحترافيّة، مثل الحملات الإعلانيّة الطويلة التي تهدف إلى التسويق.
3- العلامات الفاخرة ما تزال تحاول فكّ شيفرة Gen Z
تحاول العلامات التجاريّة الفاخرة فهم متطلّبات Gen Z المتغيّرة دائماً وتلبيتها، مثل الشراء أونلاين والاستثمار بالمجوهرات والساعات. في المقابل، كلّ جديد تحاول العلامات الفاخرة القيام به، لا يدوم طويلاً، مثل See Now, Buy Now والسعي لمواكبة السوشيل ميديا، فتبقى جهودها غير مرئيّة نظراً لسرعة تبدّل الصيحات. كذلك، يشهد عالم الموضة بين فترة وأخرى موجةً جديدةً من العلامات التي تجذب المستهلكين الشباب عبر تبنيّها بعض القيم التي تهمّهم مثل: الإستدامة، المسؤولية، المنتجات التي تتّبع المعايير الأخلاقيّة...
علامة The Row المعروفة بتصاميمها الكلاسيكيّة، تحظّر الهواتف في عروضها، ولا تعتمد أيّة سياسة تسويقيّة، إلاّ أنّ تصاميمها تكون Hottest Ticket in Town دائماً، وتنفد منتجاتها من الأسواق بسرعة، وذلك لأنّها تتماشى مع كلّ تغيير.
بدأت العلامات التجاريّة تميل إلى التصاميم الخالية من الشعارات، إذ إنّ هذا الجيل يفضّل الاستثمار بالقطع التي يستطيع أن يبيعها لاحقاً، والتي تتّسم بالأسلوب الكلاسيكي. مثال على ذلك، حقائب Louis Vuitton الرجاليّة الجديدة التي تنتمي إلى فئة الـQuiet Luxury.
من عرض Louis Vuitton Men لخريف وشتاء 2024
توسّعت علامات الأزياء الفاخرة لتطال أسلوب الحياة، فنرى مثلاً فنادق Louis Vuitton وVersace... بالإضافة إلى التصاميم الرياضيّة، التكنولوجيا وغيرها. تحاول هذه العلامات أن تقدّم للمستهلكين تجربة كاملة، وطرق مبتكرة للتسويق، فقد ولّت الطرق التقليديّة للبيع.
تعيد العلامات الفاخرة النظر في اختيار وجوه الدار، وتركّز على المؤثّرين منهم والمحبوبين لدى الجيل Z. قد تختار وجهاً من الجيل نفسه، لتشعرهم بالانتماء إلى العلامة.
التعاون هو لغة العلامات الفاخرة للتقرّب من جيل Z، أكان مع علامات Street Style، علامات ناشئة، فنانين أو حتى ألعاب فيديو.
تُقيم العلامات علاقات طويلة الأمد مع عملائها وتضعهم في خانة الأصدقاء. تركّز على التجارب التي ستقدّمها لهم، وتعطي الأفضليّة لأصدقائها على المستهلكين العابرين أو المشاهير.
ماذا عن العقد القادم؟
قبل توقّع ما سيحدث، دعينا نتكلّم عن مشهد الموضة الحالي... من المتوقّع أن تبقى "Quiet Luxury" مُسيطرة حتى نهاية العام 2024، وذلك بسبب تفضيل المستهلكين المتزايد للرقيّ، الحرفيّة، القطع الكلاسيكية، اللاشعارات والقيم الأساسيّة. كذلك، يتميّز هذا المشهد ببروز جيل جديد من المصمّمين الذين يكملون خطى أبائهم، واستطاعوا أن يُثبتوا أنفسهم في عالم الموضة، ليس بفضل آبائهم، بل من خلال وضع بصمتهم المميّزة التي تحاكي متطلّبات الجيل الجديد. من جهة أخرى، إذا أردنا أن نفكّر في المستقبل، وما إذا كان جيل Z سيحدّد مفهوم الرفاهية للسنين القادمة، فلا يسعنا القول سوى أنّه من الصعب أن نعرف أو نتوقّع ما سيحدث. فهذا الجيل لا يعرف ماذا يريد بالتحديد وهويّته ما زالت قيد التطوير، فهو يميل إلى الأمور ونقيضها.