تتألّق الموضة السعوديّة اليوم كقوّة إبداعيّة عالميّة، متجذّرة في ثقافتها العريقة ومنطلقة نحو المستقبل بخطى واثقة. يروي الرئيس التنفيذيّ لهيئة الأزياء السعوديّة Burak Cakmak كيف تُشكّل الحرفيّة والأصالة أساس هذا القطاع المتنامي، وكيف تفتح الهيئة أبواب الفرص للمصمّمين لتقديم قصّة المملكة للعالم بأسلوب مُلهم ومليء بالإبداع والطموح.
مقابلة مع Burak Cakmak
ماذا تقول الأزياء السعوديّة للعالم اليوم، لم تكن قادرة على قوله قبل 10 سنوات؟
قبل عقد من الزمن، كانت الموضة السعوديّة حاضرة، لكنّها بقيت محصورة ضمن المجتمعات المحليّة، من دون وجود منصّة صناعيّة واسعة. أمّا اليوم، فهي تتحدّث بوضوح وثقة، مجسّدة الثقافة، الإبداع والطموح. لم يقتصر التغيير على الحضور العالميّ للمصمّمين السعوديّين فحسب، بل تمثّل في بروز فرص جديدة تتيح للمبدعين بناء مسارات مهنيّة: برامج تعليم الأزياء، حاضنات الأعمال، إتاحة الوصول إلى قطاع التجزئة والفعاليّات الكبرى مثل أسبوع الموضة في الرياض. كلّ هذه العوامل ساهمت في تمكين الموضة السعوديّة لتقدّم نفسها كقطاع يمتلك إمكانات جدّية. الرسالة التي تُوجّه إلى العالم اليوم هي أنّ الموضة السعوديّة متجذّرة بعمق في الثقافة، وفي الوقت نفسه، مُشارِكة مُهمّة في الحوار العالميّ.

هل تعتقد أنّ العالم قد أدرك بالفعل ثراء الموضة السعوديّة، أم أنّنا ما زلنا في مرحلة التعريف؟
لقد تعرّف العالم على الموضة السعوديّة من خلال العروض الدوليّة، أسابيع الموضة والبرامج الثقافيّة، لكن تلك التجارب ليست سوى البداية. فالثراء الحقيقيّ للموضة السعوديّة أعمق بكثير؛ يكمن في تنوّع التقاليد، الرمزيّة في الأزياء وتقنيّات الحِرف التي توارثتها الأجيال. الجمهور العالميّ بدأ يُدرك وجود الموضة السعوديّة، لكنّه لم يفهم بعد عمق قصّتها ولا غنى مفرداتها الثقافيّة. كلّ حدث وكلّ عرض يكشف طبقة جديدة من هذه القصّة، وكلّما زاد حضور هذا القطاع على الساحة، اقترب العالم أكثر من فهم حجم ما يمكن أن تقدّمه الموضة السعوديّة.
ما هي "الخيوط" التي ظلّت ثابتة في هذه القصّة رغم التغيير؟
الثابت الأوّل هو الإتقان الحرفيّ الذي يشكّل جوهر الموضة السعوديّة منذ قرون، من التطريز إلى النسج والتفصيل الدقيق. أمّا الثابت الثاني فهو البعد الرمزيّ للموضة، إذ لم تكن الملابس يوماً مجرّد عنصر جماليّ، بل وسيلة للتعبير عن المكانة، الهويّة والانتماء. والثابت الثالث هو القدرة على التكيّف؛ فلطالما امتلكت الموضة السعوديّة القدرة على استيعاب التأثيرات وإعادة تفسيرها بأساليب تحاكي الثقافة المحليّة. هذه الخيوط لا تزال تنسج قصّة الموضة السعوديّة، فحين يبدع الجيل الجديد بأسلوب معاصر، يفعل ذلك بوعي تجاه الإتقان الحرفيّ، الرمزيّة، والقدرة على التكيّف.

ما هو العنوان الذي تعطيه للفصل الحالي من هذه القصّة؟
عنوان هذا الفصل "البروز". الموضة السعوديّة موجودة منذ زمن طويل في إطار ثقافتها المحليّة، وما يحدث الآن هو ظهورها على شكل صناعة منظّمة. فالمصمّمون يؤسّسون علامات تجاريّة، والفعاليّات مثل أسبوع الموضة في الرياض تضع الموضة السعوديّة على الخريطة، أما العروض الدوليّة فتمنح المواهب السعوديّة منصّات جديدة.
كلّ هذا ليس بداية، فالتقاليد عمرها قرون، كما أنّه ليس عصر نهضة، فالقصّة لم تختفِ يوماً. إنّه بروز... خطوة حاسمة نحو الظهور العالميّ، الاعتراف والتأثير.
ما هي اللحظة التي شعرتَ فيها أنّ عمل الهيئة يصنع التاريخ؟
إطلاق أوّل أسبوع للموضة في الرياض عام 2023 كان لحظة فارقة، إذ قدّم للمصمّمين السعوديّين منصّة احترافيّة داخل الوطن، يُمكن من خلالها للجمهور المحليّ والدوليّ التعرّف على أعمالهم. كانت هذه الفعاليّة مهمّة لأنّها أثبتت أنّ السعوديّة تمتلك القدرة والإمكانيّات لاستضافة فعاليّات أزياء بمستوى عالميّ.
بالنسبة للصحافة الدوليّة والمشترين والمراقبين الذين حضروا، شكّل هذا الحدث نقطة تحوّل في الطريقة التي يُنظر إليها للموضة السعوديّة. أمّا بالنسبة للمصمّمين، فقد رفع سقف طموحاتهم وما يُمكنهم تحقيقه. هذا الحدث نقل قصّة الموضة السعوديّة من مرحلة الطموح إلى مرحلة التنفيذ.

يقول البعض إنّ الموضة مرآة، ويقول آخرون إنّها خريطة. بالنسبة للمملكة العربيّة السعوديّة، أيّهما هي؟
الموضة السعوديّة تقوم بالدورين معاً. فهي مرآة تعكس الهويّة الثقافيّة والقيم، وتُظهر إمكانيّة التعبير عن التاريخ، التقاليد والتراث من خلال الملابس. وخريطة تكشف عن اتجاه القطاع اليوم؛ من نموّ العلامات التجاريّة الجديدة، إلى إطلاق البرامج التعليميّة، ازدهار الصناعة المحليّة، وانطلاق أسابيع الموضة. قلّة هي البلدان التي تشهد هذا الحجم من التحوّل في فترة زمنيّة قصيرة.

ما هي القيم التي تسعى الهيئة إلى الحفاظ عليها؟
الموضة ليست أزياء فحسب، بل تحمل قيماً عميقة الدلالة على المستويين الثقافيّ والصناعيّ. من أبرز هذه القيم الحرفيّة، حيث تسعى الهيئة للحفاظ على خبرات الحرفيين في التطريز، النسج وغيرها من المهارات التقليديّة التي تُميّز تراث المملكة. الأصالة قيمة أخرى، حيث يتمّ تشجيع المصمّمين على الانطلاق من العمق الثقافيّ، بما يضمن أن تبقى القصص التي يروونها صادقة لهويّتهم. أمّا القيمة الثالثة فهي الاستدامة، المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمسؤوليّة. تمتلك المملكة فرصة فريدة لدمج الاستدامة في هذا القطاع منذ البداية من خلال دعم المصادر المسؤولة، تشجيع التصميم الدائريّ وابتكار نماذج عمل تحترم الإنسان والبيئة على حدّ سواء.

ما هي أوّل "لحظة" سعوديّة، تركت انطباعاً دائماً لديك؟
إحدى الانطباعات الأولى التي تركت أثراً كبيراً لديّ هي تنوّع الملابس التقليديّة في أرجاء المملكة. كلّ منطقة لها خاماتها، طرق الخياطة والتقاليد الزخرفيّة الخاصّة. فالتطريز في الجنوب، التفصيل في الحجاز، النسيج في المنطقة الشرقيّة، وكلّ منها يروي قصّة مُختلفة. رؤية المصمّمين اليوم وهم يدرسون هذا التنوّع ويعيدون تفسيره، أظهرت لي مدى عمق الإبداع الموجود في المملكة، وأكّدت على أهميّة توثيق هذه التقاليد بعناية، بما يُتيح للأجيال القادمة الاستمرار في الاستلهام منها مستقبلاً.
