لطالما كان أسلوب Modest Fashion أو الأزياء المحتشمة موجوداً عبر التاريخ، إلّا أنّ الأحداث العالمية في السنوات الأخيرة كانت بمثابة نقطة تحوّل أمام هذه الفئة من الأزياء، فعالم الأزياء وصيحاته المتنوعة كانت تفتقر إلى تمثيل النساء ذوات الأسلوب المتحفّظ، ولكن مع سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي، وجدت هذه الفئة من النساء من يمثّلها، وأصبح الطلب على الأزياء المحتشمة كبيراً وملحّاً، ما أدى إلى اهتمام دور الأزياء العالمية بخيار العديد من النساء العاملات والمحتشمات اللّواتي اخترن هذا الأسلوب، وذلك تحقيقاً لمبدأ الشمولية.
ما هي الأزياء المحتشمة؟
يتلخّص أسلوب الأزياء المحتشمة بالمرأة التي ترغب بالتمتّع بأسلوب يتماشى مع الصيحات ويكون محتشماً في الوقت عينه، تختاره لأسباب شخصيّة، عملية، دينية أو عقائدية. يتميّز هذا الأسلوب بالملابس الفضفاضة والمريحة التي تغطّي الجسم بأقمشة غير شفّافة، مع إظهار أقلّ ما يمكن من الجسم. هو بمثابة رسالة تبعثها النساء لأسباب مختلفة، كإثبات النفس بقوّة الذكاء والشخصيّة بعيداً من الأزياء الكاشفة، أو لسهولة الحركة التي يمنحها هذا الأسلوب أو حتى لقناعات متعلّقة بالعيش المستدام. تجدر الإشارة إلى أنّه ليس من الضرورة أن تكون المرأة المتحفّظة محجّبة، فهذا الأسلوب غير مرتبط بشكل أساسيّ بالدين. ظهر مصطلح Modest Fashion أو الأزياء المحتشمة، في منتصف العقد الأول من القرن الحاليّ، ويرجّح أنّ أبرز الدور التي ساهمت في إبراز هذه الصيحة كانت تتمتّع بالدوافع عينها.
كيف ساهمت السوشيل ميديا في انتشار الأزياء المحتشمة؟
شكّل عدم توفّر الأزياء المحتشمة عقبة أساسية بوجه النساء المحتشمات والمحجّبات، فقد شكّل إيجاد هذه الأزياء المحتشمة والمواكبة لصيحات الموضة في آنٍ معاً تحدّياً لهن. مع بروز وسائل التواصل الاجتماعي في العقد الأخير، باتت هذه المهمّة أسهل، خصوصاً مع انتشار مدوّنات الموضة، ما فتح المجال أمام هذه الفئة من النساء، وبالتالي ساهم في انخراطهنّ في عالم السوشيال ميديا، ما أدّى إلى انتشار هذه الفئة من الأزياء. نذكر منهنّ Dina Torkia وMaria Alia وHabiba da Silva وDian Pelangi وLeah Vernon وغيرهنّ كثيرات، كنّ السبّاقات في البروز على وسائل التواصل الاجتماعي باعتماد أسلوب الأزياء المحتشمة، ما ساهم باكتسابهنّ فئة كبيرة من المتابعات. من جهة أخرى، ضمّت وكالة الأزياء العالميّة IMG Models في العام 2016، العارضة الصومالية-الأميركية Halima Aden التي صنعت التاريخ، حين أصبحت أوّل متسابقة تشارك في ملكة جمال مينيسوتا الأميركيّة، وهي ترتدي الحجاب والبوركيني وتحوّلت بعدها إلى رمز من رموز الأزياء المحتشمة التي وغيّرت الصورة النمطيّة على منصّات العروض، إنما تجدر الإشارة إلى أنّها في أواخر سنة 2020، قرّرت أن تنسحب من عالم الموضة وألغت صفحتها على إنستغرام مبرّرة ذلك بأنها لا تريد أن تقدّم أي تنازلات لأجل الموضة.
ما هي حركة الأزياء المحتشمة؟
لفترة طويلة من الوقت، لاقت الملابس الضيّقة حيزاً كبيراً في عالم الموضة، لتكتسب الأزياء الفضفاضة اليوم، المركز الأول. بالتالي، سارعت الدور الكبرى الى مواكبة هذه الصيحة من بينها دور قوتشي Gucci، بالنسياغا Balenciaga وكلوي Chloé التي ضمّنت هذا الأسلوب في غالبية عروضها. ثم باتت الأزياء المحتشمة منتشرة على أغلب منصّات العروض وفي مختلف أسابيع الموضة، علماً أنّها ليست جديدة من نوعها، إلّا أنّ المصمّمين العالميّين بدؤوا بتبنّيها مؤخّراً لإرضاء مختلف الأذواق والمتطلّبات. تحظى النساء المتحفّظات الآن بنسبة كبيرة من التقدير على وسائل التواصل الاجتماعيّ، من بينها إنستقرام أو حتى على منصّات عرض الأزياء، ما نتج عنها بروز حركة الأزياء المحتشمة، أي Modest Fashion Movement. تجدر الإشارة إلى أنّ الأزياء المحتشمة، ليست مجرّد صيحة قصيرة العمر، بل أصبحت اليوم حاجة أساسيّة في مجتمعنا، تلبّي متطلّبات فئة كبيرة من النساء.
لماذا حظيت الأزياء المحتشمة بشهرةٍ كبيرة في السنوات الأخيرة؟
قد تتساءلين عن الأسباب التي تختبئ وراء اكتساب هذه الحركة زخماً كبيراً، فعالم صناعة الأزياء بات منفتحاً أمام الأفكار المتجدّدة والمبدعة، خصوصاً مع انتشار الحركات المنادية بالشمولية والتنوّع. أما من جهةٍ أخرى، ومع تزايد أعداد المدوّنات والمؤثّرات المسلمات في مجال الموضة على وسائل التواصل الاجتماعيّ، بتن بدورهنّ مبادرات أساسيّات في تطوير هذه الأزياء.
أزياء مرتبطة بالثقافة العربيّة أصبحت جزءً من عالم الموضة
- قفطان: هو سترة أو رداء شبيه إلى حد كبير ببدلة "التونيك"، تمّ ارتداؤه من قبل العديد من الثقافات. يتميّز القفطان بأكمامه الطويلة وحزام عند منطقة الخصر، يصل طوله إلى الكاحلين. يصنع من الصوف، الكشمير، الحرير أو حتى القطن، كما يمكن ارتداؤه مع وشاح. عادةً ما يتمّ اعتماده في المناسبات الاحتفالية، مثل حفلات الزفاف أو الحنّاء.
- عباية: هي رداء أسود ترتديه المرأة المسلمة في بعض مناطق الشرق الأوسط، وبالأخص في دول الخليج العربيّ فوق الملابس العاديّة عند الخروج من المنزل. تتميّز العباية بقصّتها الفضفاضة التي تخبّئ تفاصيل الجسم. مؤخّراً، بدأت العبايات بالظهور بتصاميم ملوّنة ومبتكرة.
- شروال: هو بنطلون يتميّز بقصّته الفضفاضة والمريحة، خصوصاً عند منطقة الفخذين، ويعرف بساقيه الضيّقتين من الركبتين حتى الكاحلين، ويربط بحبلٍ عند منطقة الخصر. هو قطعة تقليدية اعتمدها الرجل اللبنانيّ قديماً، ولا يزال يرتديه البعض اليوم، إلّا أنّه اتّخذ نفحة عصرية، وبات اليوم بمتناول النساء والرجال، بعد أن أدرج كقطعة في عالم الموضة.
- حذاء بابوش: هو حذاء مسطّح مصنوع من الجلد، مستوحى من الحضارة المغربيّة. يتميّز هذا الحذاء برأسه المستدير أو الحادّ، ويأتي مفتوحاً من الخلف ومغلق من الأمام.
- حجاب: هو غطاء للرأس، وبالتحديد للشعر والعنق، تعتمده المرأة المسلمة باختيارها الشخصيّ. يتميّز بأشكاله المتعدّدة، ألوانه، أقمشته وطرق اعتماده كإشارة دينيّة أو ثقافيّة للانتماء إلى مجتمع معيّن. أبرز أنواع الحجاب: الشالة، النقاب، الشادور والبرقع.
- تربان: معتمد في العديد من الثقافات بينها العربيّة. أحبّت بعض النساء اعتماد الحجاب بطريقة عصريّة على شكل تربان، وهو كناية عن غطاء للشعر فقط، يمكن ارتداؤه بطريقة سهلة وسريعة. من الممكن تزيينه ببروش أو بالتطريز.
- ثوب: كما يعرف في غالبيّة الدول العربيّة أو الدشداشة في الكويت، عُمان والعراق، وهو لباس خاصّ بالرجال، لونه أبيض. يتألّف من قطعة واحدة، تغطّي الذراعين وكامل الجسم وتصل حتى الكاحل. من جهةٍ أخرى، ظهر هذا اللّباس بشكل مختلف عن دول الخليج، حيث اعتمدته المرأة السورية باللّون الأسود والأحمر مع حزام باللّون عينه.
كيف تحوّلت أزياء الحضارة العربيّة إلى صيحات موضة؟
مع بروز موضة الأزياء المحتشمة إلى الواجهة، بدأت الدور الكبيرة بإداخلها إلى مجموعاتها كدليلٍ لشموليّتها ولتوجّهها لكافّة النساء. أصبح بإمكانكِ إيجاد أزياء محتشمة في جميع المجموعات، المواسم والماركات! ففي العام 2016، استضافت اسطنبول أسبوعها الأوّل للموضة المحتشمة، حيث أتاحت الفرصة للعديد من الدور والعلامات بإبراز شموليّة وتنوّع أزيائها. أمّا دار DKNY، فقد أطلقت خلال شهر رمضان 2014، مجموعة خاصّة للمرأة المسلمة، لاقت ترحيباً كبيراً، وكانت ردود الفعل إيجابيّة. في العام 2015، اختارت H&M لأوّل مرّة العارضة Mariah Idrissi التي تعتمد الحجاب، لتكون الوجه الإعلاني لحملتها الإعلانيّة. أيضاً، خصّصت دار Dolce & Gabbana مجموعة من العباءات في موسم ربيع 2016، كذلك الأمر لخريف وشتاء 2019، كما ظهرت Halima Aden للمرّة الأولى في أسبوع الموضة في نيويورك لموسم خريف 2017، حين مشت خلال عرض دار Yeezy في الموسم الخامس. في العام نفسه ولأوّل مرّةٍ، قدّمت المصمّمة الإندونيسيّة Anniesa Hasibuan كأوّل مصمّمة مسلمة، عرضاً خاصّاً بالمحجّبات خلال أسبوع الموضة النيويوركي. في العام نفسه، تصدّرت هذه الموضة عناوين الصحف، حين أعلنت Nike عن إطلاقها تصميم حجاب رياضيّ Nike Pro Hijab إلى جانب تعاونها مع رائدات في مجالات عدّة من بينهنّ Zahra Lari، أوّل متزلّجة إمارتيّة محجّبة تتنافس دوليّاً. كذلك، رصدت الأزياء والإطلالات المتحفّظة في مجموعة لا يستهان بها من حملات دور إعلانية، من بينها Dolce & Gabbana لموسم ربيع وصيف 2017 وحملة دار Versace لموسم ربيع وصيف 2018.
أسابيع الموضة التي قدّمت الأزياء المحتشمة
Modest Fashion Weeks أو أسابيع الموضة المحتشمة هي حدثٌ سنويّ متنقّل، يشكّل منصّة عالمية مبتكرة لمصمّمين مبتدئين في مجال صناعة الأزياء المحتشمة. إلى جانب العروض، يقدّم أيضاً هذا الحدث ندوات ويستضيف مجموعة متنوّعة من رجال وسيّدات أعمال، فنّانين ومشاهير في حلقات حواريّة مفيدة. ففي العام 2016، استضافت اسطنبول أسبوعها الأوّل للموضة المحتشمة، حيث أتاحت الفرصة للعديد من الدور والعلامات بإبراز شموليّة وتنوّع أزيائها. أمّا في العام 2017، استضافت لندن هذا الحدث، ليصل بعدها إلى دبي بين سنتي 2017 و2019. أمّا في العام 2018، فقد استضافت العاصمة الإندونيسيّة جاكارتا هذا الحدث. في العام 2019، تمّ إحياء هذا الحدث في مدينة أمستردام الأوروبيّة. أخيراً، أي في العام 2020، لم يتم إحياء هذا الحدث بسبب الظروف التي شهدها العالم أجمع على أمل أن يعود في العام 2021.
مؤثرات عربيات يعتمدن الموضة المحتشمة
لاقت الموضة المحتشمة دعماً كبيراً من المدوّنات العربيّات اللّواتي بتن مؤثّرات أساسيّات لهذه الأزياء، كما بات بعضهنّ يتعامل مع دورٍ عالميّة، أبرزهنْ لينا الغوطي ودلال الدوب.
تأثير فيروس كورونا على الأزيار المحتشمة
لا شكّ أن الحجر المنزليّ بسبب فيروس Covid-19، أبعدنا عن الملابس التي اعتدنا اعتمادها سابقاً وجعلنا نلجأ إلى الأزياء الفضفاضة والمريحة. من هذا المنطلق، رافقت الأزياء المحتشمة يوميّاتنا دون تخطيط مسبق، وباتت اليوم من بين الأكثر رواجاً.